يالقيادة،اخليتونا... الله يخليكم، عبداتي الرشيد. طباعة
الأخبار - الرأي والرأي الآخر.

في أماكن ضيقة جدا أغلبها داخل خيامنا البسيطة أو في سيارات الأجرة "اباصاجا"، بدأنا نسمع على ألسنة الكثير من الناس الذين يشكلون الغالبية العظمى من هذا الشعب الطيب الفقير البسيط، بدأنا نسمع هذه "الأغنية" التي سأسمعكم مقطعا منها: " هذا ياسر من الحقرة أخليتونا الله يخليكم "، إنها الجملة التي باتت على لسان وفي قلب وضمير كل صحراوي حر، محقور ومظلوم و"متبهدل" في بلده.
"هذا ياسر أخليتونا الله يخليكم"....
قبل أن أفكر في كتابة سطور عن هذه "الحقرة"، وبينما كنت أغادر مكان عملي مساء أحد الأيام، وكالعادة توجهت الى مكان

توقف سيارات الأجرة أو "أباصاجا" كما نسميها، استغليت إحدى السيارات حيث كانت تجلس داخلها شابة أو لنقل امرأة في العقد الرابع من عمرها لكنها لم تتزوج بعد أو بالأحرى لم يسمح لها نظام "الزعت" هذا بأن تتزوج وتكون لديها أبناء وعائلة قبل أن يتقدم بها العمر وتفقد بيولوجيا القدرة على الإنجاب، وما إن بدأت في شرح سبب قدومها الى "الرابوني" حتى وجدت نفسي وكل الذين معي على متن تلك السيارة  نقول "هذا ياسر من الويل هذا ياسر من اللعب بعقول وكرامة الناس".
الشابة ابنة شهيد وهي أكبر إخوتها كما قالت، أمها أرملة منذ استشهاد زوجها، ليس لديهم معيل، أخوها الوحيد والذي يعتبر اصغر أبناء الشهيد سنا من مواليد 1987 درس حتى المستوى السابع أساسي ثم أطرته الظروف أن يترك مقاعد الدراسة ليساعد والدته وأخواته، هو الآن سائق "كروسة يجرها حمار" (تصوروا!!، هل هذا – كروسة أحمار- هو ما يستحقه ابن شهيد)، يتنقل بين الخيم من اجل إيجاد من يريد نقل بضاعة مقابل ثمن بسيط لكنه على الأقل يشتري الخبز.
لديهم أخت أخرى تصغر المتحدثة سنا وتكبر أخوها، هذه لها حكاية أخرى أعجز عن قصها لكم أو بالأحرى يأبى قلمي أن يدمع حكايتها حروفا بعد أن رأى دموع عيني تجف بعد أن تركت تلك الشابة بعد أن قصت لي حكايتها وحكاية أخوتها أبناء الشهيد مع هذا الزمن المر.
إنه فعلا زمن مر ...
كانت تلك أول مرة في حياتها تأتي فيها الى هذا "الرابوني"، جاءت كما قالت بعد أن اقترحت عليها إحدى قريباتها بأن تلتقي احد الوزراء المسؤولين عن إحدى هذه المؤسسات المسخرة وهو للعلم من عائلتها، من اجل أن يعطيها مساعدة كما باقي الخلق "الماشيين / جايين " كل يوم من والى هذا "الرابوني" الذي أصبح مرادفا للأسف فقط لكلمات مثل: التهريب، السرقة، "التبتيب" أي البيع – طبعا يبع أملاك الشعب وليس شيئا آخر-.
جاءت هذه الشابة الى هذا "الرابوني" وليتها ما جاءت، والتقت المسؤول وليتها ما فعلت، طبعا في البداية وعدها المسؤول بأنه سيلبي مطلبها الشرعي، لكنها لم تفهم انه عليها للأسف في لغة هذا "الرابوني" أن تلبي هي أولا مطلبه هو "السفلي"، ولأنها لم تفهم ما معنى تلبية المطلب "السفلي" بلغة "الرابوني" هذا، أبلغها بأن تعود في يوم آخر حدده هو.
عادت في اليوم الذي حدده المسؤول وليتها ما عادت، ولأنها لم تفهم هذه المرة أيضا أبلغها أن تعود في يوم آخر.
وفي ذلك اليوم الآخر ولأنها لم تفهم أيضا "صبهالها من الحاشية"، قالها صراحة وشرح لها دون حشمة ولا خوف ما معنى أن تلبي مطلبه هو "السفلي" قبل أن يلبي هو مطلبها هي الشرعي.
للأسف، هكذا يبدع نظام فقد كل الحياء في إنتاج مسؤولين ووزراء يهددون مواطنين بسطاء وأي مواطنين؟، إنهم نساء، وأي نساء؟، إنهم بنات شهداء بأن يفعلوا بهم صراحة "الفعل المخل بالحياء".
وبينما ودعت ابنة الشهيد تلك واستقبلت دموعي، عرفت لماذا حقا رحل عنا خيرة الرجال شهداء الى جوار ربهم؟، ولماذا أضحى هدفنا الأسمى أبعد ما يكون عن التحقيق على ارض الواقع؟، لماذا؟، لأن هؤلاء الذين يتلاعبون بمصير وأحلام ومستقبل وإمكانيات هذا الشعب في هذا الزمن المر ليس لهم من هدف أسمى ولا ابعد من هدفهم السفلي الرخيص:"الفعل المخل بالحياء".
في هذا الزمن الغريب تتكرر مثل هذه الظاهرة في اغلب مؤسسات الدولة بينما يصبح شيئا فشيئا من يديرون هذه المؤسسات بشر متحولون
في زمن الوسخ هذا يقود ابن الشهيد "كروسة احمار" ويقود إبن الوزير أفخم السيارات ...
في زمن المسخ هذا أصبح بمقدور من ليس له كرامة أن يتلاعب  بكرامة المواطنين ...
في هذا الزمن المر تتطفل بنت الشهيد عند الرذيل ...
في هذا الزمن التعيس تعيش الذئاب على حصاد الأسود ...
في هذا الزمن الرديء أصبح لكل مطلب رفيع ثمن "سفلي" ...
في هذا الزمن الرخيص يتقدم العمر بآلاف الشابات والشبان دون أن يتزوجوا حتى لا تمتهن كرامتهم أكثر مما هي ممتهنة بفعل تقلبات هذا الواقع المر ...
في هذا الزمن الغير مفهوم  يخاطر عشرات الشبان بحياتهم للوصول الى العدو فقط حتى  يكونوا بعيدين عن تصرفات مسؤولين ضاقوا ذرعا بهم وبتصرفاتهم ...
في هذا الزمن يدفن الآباء والأمهات الى مثواهم الأخير بعيدا عن أرضهم، بعيدا عن وطنهم بعد أن رحلوا دون حتى بصيص أمل بأن لا يدفن أولادهم وأحفادهم في نفس المكان ...
في زمن المسخ هذا، المر التعيس البائس الرخيص الرديء أصبحت تصرفات أغلب المسؤولين مدعاة للصراخ وبقوة: ... يا ويلنا ... رانكم أكتلتونا ... رانكم أخليتونا
يا أيتها الرمال المتحركة الجاثمة بين خيامنا وتحت رموش أعيننا لك وحدك القدرة على العاصفة في مخيماتنا التعيسة ... قولي لهم أثناء الهبوب وبكل قوة :"هذا ياسر من الويل ... هذا ياسر من الحقرة ... هذا ياسر من "شين السعد" ... ياسر رانكم أخليتونا الله يخليكم ... رانكم كرهتونا الله إكرهكم ... ورانا أمخليين بينكم أمع مولانا وأخلاص ..." وهذه هي دعوة المغلوب...





Share Link: Share Link: Bookmark Google Yahoo MyWeb Digg Facebook Myspace Reddit