قراءة صحفي ثائر في مقال وزير حكيم، بقلم:ميشان إبراهيم أعلاتي طباعة
الأخبار - الرأي والرأي الآخر.

إستوقفني مقال على موقع الرأي المستنير الموريتاني بعنوان "إعتماد اللغة الخشبية ونهج سياسة النعامة" بقلم الوزير الموريتاني السابق محمد فال ولد بلال، ولن أفوت عليكم متعة قراءة المقال لأنه مهم جدا ويحمل الكثير من الحكمة المبطنة بلغة الإشارة و كثير من المقاربات نتيجة لتشابه الواقعين " المتعفنين " الموريتاني و الصحراوي في كثير من أجزائه مما يضاف إلى الروابط المشتركة لمجتمع البيظان التي يتغنى بها كثيرين خفيتا وعلانيا، وبعدها سأرفقه بتعقيب كتعبير عن رأي شخصي حول وجه الشبه "التعيس" بين الواقعين.

يقول محمد فال في مقاله :  في جو التطبيل والتمجيد والتسبيح بحمد السلطة، يصبح الرئيس هو قطب زمانه ومكانه، ومحور الحركة والفكر والإنجازات والحياة. يكاد يسمع كل صباح ومساء بأنه هو الوطن والوطن هو... هو حامي حماه.. وصانع مجده وعلاه..هو باني الطرقات ومحقق الإنجازات والمعجزات... هو الزعيم الأوحد.. والمنقذ الفذ..عقله حكيم... وخطابه تاريخي... وكلامه هو آخر الكلام... بيده الأعناق والأرزاق... لانرى إلا ما يرى... إما هو أو الفوضى... أي صوت يختلف معه مشبوه أو خائن أو حاقد... صاحبه يعشق الرئاسة ويدعو إلى التخريب والفتنة... ويتردد على سمعه بالليل والنهار :
إن الشعب بخير، ولا يريد إلا الأمن والاستقرار، وهكذا وهكذا وهكذا بالمطلق تجند وسائل الإعلام كافة لنقل وتعميم هذا الخطاب الخشبي الفاسد: الإذاعة والتلفزة والوكالة والجريدة والمنابر الرسمية والشوارع والجدران في سباق محموم لكسب ثقة الزعيم. ولذات الغرض، لابد من إلقاء بعض الشتائم واللعن والسباب والقاذورات على المعارضين والمشككين والصامتين وحتى الملتزمين بالحد الأدنى من الموالاة، لأن الحد الأدنى هنا لايكفي... فالتشدد مطلوب لتحسين المواقع والمغانم. ومع ذلك تبقى الازدواجية في اللغة والموقف حالة حتمية قائمة، مفارقة موريتانية عجيبة. المواطن عندنا في العلن وضمن تعاطيه مع الرسميات والموالاة والحزب الحاكم... "يلحلح" ويطرح آراء منغمسة مع السائد داعمة له، وفي دوائر الخواص يفرِّج عن نفسه ويصرح بآراء معاكسة تماما للتعبير عن حقيقة موقفه.
ـ الفاسد.... والسباحة في بحر من الزيف .
أمام سيل عارم من تشويه الحقائق والزيف، يصاب الزعيم بجنون العظمة والغرور، ويسقط في أشد درجات التخلف حين يباعد بين نفسه وأي صوت معتدل وهادئ، أو أي تصورات من شأنها أن تجدد فكره وتوسع آفاق الرؤية أمام عينيه مكتفيا بما يصل إلى أذنيه من زبنائه المفضلين متجاهلا أن الهاجس الأول والأخير لحاشيته هو استرضاه والدوران حوله والابتسام... سبيلا إلى الاستفادة منه وليس لإفادته . وخطورة هذا الوضع عليه، أن هؤلاء لايقولون له إلا ما يحب أن يسمع... غالبا ما تراهم يستنبطون كلامهم مما سبق أن نطق هو به أو لاحظوه وقد خطر بباله أو عشعش في تفكيره. فيكون ما وصل إلى سمعه هو نفسه ما جرى على لسانه... عندئذ لايتجدد تفكيره، ولا يتعلم من دروس، ولا يستفيد من تجربة... ولا يتعظ ممن سبقوه وإنما يرى أنه يختلف عن غيره وأن له خصوصية فريدة... فيصاب عقله بالضمور.. ويقضي الله ما يشاء.
وفي النهاية عزيزي القارئ، فقد أردت التذكير بهذا القدر من مظاهر الفساد كما عشناه سابقا، وذلك اقتناعا مني بأن تجديد الطبقة السياسية وتطهير المؤسسات من "رموز الفساد" أمر ضروري ومهم، ولكن الأهم هو بناء قاعدة جديدة من رجال حكم "التغيير والإصلاح" لاتعمل بنفس "الأجندات الفاسدة" ولا تتّبع نفس آليات العمل الفاشلة. الشعب يريد أن يكون "التطهير" قرارا فعليا له نتيجته على الأرض. وهذا لسان حاله يقول من باب الحزم: إن كانت الطبقة "الجديدة" تعتزم حقيقة محاربة الفساد وإبعاد المفسدين، فعليها أن تحذر كل الحذر من استمرار مظاهر الفساد وأساليبه القديمة، وخاصة الفساد الأكثر ضراوة وهو ما يسمى بـ"الفساد الكبير" (
grande corruption) أو "اقتناص الدولة" (capture de l’Etat) الذي يصيب المستويات والأجهزة العليا في الدول مع تسخير النخب لخدمة تلك الأجهزة والشخصيات النافذة. فالشعوب قد تسجل نقاطا مهمة في كبح جماح الفساد الصغير (petite corruption) وتلجم حصان الإدارة الدنيا والوسطى مثل الحاكم، والشرطي، والمدير، والمحاسب، وحتى الوالي والأمين العام... ولكن المعضلة الحقيقية تكمن في "الفساد الكبير". ولا أعتقد أن أحدا منّا يريد أن ينظر إلى حصيلة التغيير والإصلاح ليقول:مات الفساد... عاش الفساد!!!"
ـ تعقيبا على ما سبق  ...
المقال أكثر من رائع و يستحق القراءة و التأمل و إستخراج الأفكار الأساسية و الفكرة العامة وتحليل مضمون النص و تحليل ما بين السطور و نبش ما يخبى من أسرار في القبور.. ذلك أن المقال الذي أمامنا يعالج الواقع الموريتاني الشبيه عموما بالواقع العربي " المدقع " و بواقعنا الصحراوي " المفزع " في كثير من جوانبه حتى و إن اختلفت الأقطار جغرافيا فإن عوامل إنتشار الفساد و استرضاء الحاكم و نهج منهج جو التطبيل والتمجيد والتسبيح بحمد السلطة و الزعيم الهمام والقائد القبطان، حين يصبح الرئيس هو قطب زمانه ومكانه، كل ذلك ينطبق على العزيزين ( الموريتاني و الصحراوي ) وينطبق ايضا على الحاشية و الدائر في فلكها وبلاطها ... الفرق البسيط و الوحيد بين الواقع هناك و شبيهه هنا " الجيوبولتيك " هو أن موريتانيا دولة مستقلة و لها تعددية حزبية و معارضة و قد مر على حكمها عدة رؤساء و مئات الوزراء أما نحن ـ الذين لاحول لنا ولا قوة ـ حركة تحرير ثورية ببركة العزيز و المباركة " بإذنه وقدرته " يقودها عبده " محمد " ، منذ عقود بحزم.. فأدى ماعليه من واجب و حقق بفضل إرادة الشعب و تضحيات الشهداء الأبرار إنجازات تحسب له في عهدته وله أيضا ما عليه من نقائص و أخطاء يتحمل مسؤوليتها بحكم إختياره للرجال و أشباه الجال ( لم أصل رباة الحجــال) و تسييره " الزيقزاقي " للشأن العام خاصة في ظل مرحلة الجمود والتقاعس، ومع ذلك الإختلاف في الطبيعة وجوهر الدولة و كينونة الكيان السياسي، تتشابه الوقائع و الأحداث إلى حد التماهي.
فحين يقول معالي الوزير "الحكيم" في مقاله " أي صوت يختلف معه ـ وهنا يقصد الحاكم ـ مشبوه أو خائن أو حاقد... صاحبه يعشق الرئاسة ويدعو إلى التخريب والفتنة" فتلك ورب العزة حقيقة قاتلة و أخر سلاح خبيث تلجا إليه السلطة عندنا ومن يسير في ركبها، فبمجرد التعبير الحر عن راي عابر يخالف مصلحة "الأكابر" تلجأ السلطة نفسها إلى شماعة التخوين و التشويه و بث الإشاعة المسمومة دون دليل ملموس أو مبرر منطقي و إنما بدافع من همسة صعلوك أو قمزة متمصلح مهوس بحب الذات وبناء الأمجاد الضائعة على حساب الشعب، ليصبح كل من تجرأ على قول الحقيقة او بادر بفعل نضالي وطني قح خارج سرب " الطبالة و المحزرين " في عرف قيادة وكر الرابوني أو بالأحرى "هربوني" ملعون و خائن إلى يوم الدين، وهنا تختلط الأمور وتنقلب الحقائق وتتفشى سموم التشفي و تصفية الحسابات الشخصية و الذاتية على حساب المصلحة العامة و القضية الوطنية.
وحين يقول معالي الوزير "الحكيم"  بأن " الازدواجية في اللغة والموقف حالة حتمية قائمة. المواطن عندنا في العلن وضمن تعاطيه مع الرسميات والموالاة... "يلحلح" ويطرح آراء منغمسة مع السائد داعمة له، وفي دوائر الخواص يفرِّج عن نفسه ويصرح بآراء معاكسة تماما للتعبير عن حقيقة موقفه." فقد صدق في توصيف حالة النفاق الإجتماعي و المجتمعي "حالة التلحليح" التي نعيشها كشعب صحراوي منذ زمن بعيد كخصلة من خصال المجتمع البيظاني، فما بين "أجماعة طبلة أتاي" و"كلام لوسع" ومابين الفعل وقول الحقيقة "المرة في الأذن" في المنابر الرسيمة مسافة سنوات ضوئية وفرق شاسع وبون واسع بل يكاد يكون كالفرق بين الثرى والثريا من كثرة التناقض، وهي الحالة التي اعتبرها شخصيا السبب الرئيسي في إستمرار هذا الواقع " المفروض و المرفوض " والذي نلعنه في السر ونقض الطرف عنه و نرضى به بل ونمجده في العلن،  مما يحول دون تحقيق الإصلاح المنشود و العودة إلى جادة الصواب >>  أَيَّـامْـــهَ صَـادَ أَلْكٌـَـدَّامْ << .
وفي ظل هذا التماهي و الضبابية والتوهم والتشعب المقصود نجد أنفسنا كشعب مسلوب السيادة و الإرادة أمام مجموعة من الأسئلة المصيرية والملحة أبرزها :
ـ إلى أين نحن سائرون في ظل هذا الركب المطبل وهذا الواقع المدقع و المرير الذي تقوده قيادتنا "الرشيدة و الحكيمة" في >>  زَمَنْ لَـمْـصَـدْ أَللُّـورَ  << مرحلة الهرج و البرج؟؟ .
ـ هل نحن كصحراويين ـ مواطنين بسطاء و مثقفين و فاعلين ومفعول بيهم وفيهم ـ ومن جميع مواقعنا نؤدي واجبنا الوطني و النضالي على أكمل وجه ؟ خاصة إذا إستوجبت المرحلة الحساسة قول كلمة حق في وجه سلطان جائر من أجل مصلحة الشعب الحائر؟؟؟
ـ متى يصبح هذا الواجب النضالي ذو طابع وطني ؟ ومن يحدد ويوزع صكوك تلك الصفة النبيلة، القيادة أم الشعب أم طبيعة الفعل بحد ذاتها ؟
ـ متى ينطبق هذا الشعار ـ الذي اعتبره جائر في حق الحقيقة ـ "قيادة الجبهة الشعبية مخلصة وثورية"  على القيادة الحالية ؟؟ ومتى يمكن أن نقول أن القيادي أو المسؤول بغض النظر عن من يكون بأنه مناضل و وطني أو غير وطني؟ أم هم أشبه بملائكة منزلين معصومين من الخطأ ! على غرار حامي الحمى "الزعيم الهمام " الذي يتصور نفسه كذلك، صاحب رائعة :
هشتكنا وبشتكنا ياريس ... ده انت رئيس والنعمة كويس.
يامشخلعنا يا مدلعنا      ... قول لعدوك روح إتليس.
ـ من أوصلنا إلى هاته الحالة التعيسة التي لا ترضي ذات ولا صديق، هل هو الشعب بنهج منهج
"الصمت المطبق" ام القيادة بنهجها لمنهج "متن العين أحجاب" ؟ وما هو الواجب المطلوب اليوم لتخطي هاته المرحلة الفارقة في مسيرة المشروع الوطني ؟
ـ هل يتحمل أعضاء قيادينا " الرشيدة و الحكيمة " ـ كما يحلو لهم أن يسموا أنفسهم ـ مسؤولياتهم التاريخية و الجبارة وهل أدوا الأمانة الملقاة على عاتقهم على أكمل وجه ؟؟ وهل أوفوا بعهودهم وقسمهم أمام الله و امام الشعب إبان مسرحية " طاش 13 " المؤتمر الثالث عشر ؟؟
ـ وهل نحن جميعا قاعدة شعبية ـ مفعول فيها و بها ـ و قيادة ـ فاعلة "بجدارة تصل إلى حد لفظاحة" بدافع غريزة الليبيدو عند مدرسة التحليل النفسى لسيجموند فرويد ـ نسير في الطريق الصحيح المؤدي إلى تحقيق النصر و الإستقلال الوطني التام ؟؟ أم هي طريق إجترار الماضي و إستجداء أنصاف الحلول العوجاء مع ذر رماد " ساحر أفديرك " في عيون الشعب المقهور أي إنتهاج نهج سياسة النعامة ؟؟ ..
و اختم فيض الأسئلة بالسؤال الوارد في بيت الشعر القائل :
متى يستقيمُ الظلُّ والعودُ أعوجُ             و هلْ ذهبٌ صرفٌ يساويهِ بهرجُ ؟
ختاما لا أعتقد بأن الإجابة على الأسئلة السالفة الذكر ستكون بالإيجاب وتأتي بما تطمئن له قلوب الشعب الصحراوي المقهور ولا الأفئدة و الصدور.. ولن تخرج تلك الإجابات بطبيعتها ـ إن وجدت طبعا ـ عن نمطية لغة الخشب التي تجاوزها زمن " فراعنة أخر زمن" ممن أطاحت بهم إرادة الشعوب المقهورة حين تثور ( أنا فهمتكم، ومن أنتم، وحاضر أفندن، وفاتكم القطار) ليبقى الدور على فقاقيع بشار الأسد و نهج أنتوما أشكون ‼، وعلى البقية تدور الدوائر لأن الأيام دول.
قد يرى البعض في هذا الكلام البسيط و المبسط تشاؤم زيادة عن اللزوم و قد يعتبره البعض الأخر نظرة سوداوية للواقع وتجني‼.. ولكن حقيقة هي صراحة جارحة و مصارحة مبحوحة مع الذات لفهم  الواقع والتعاطي معه كماهو دون مكياج ومساحيق و زخرفة او روتوشات أو جرافيكس و فوتوشوب ..
وفي المقابل هي أيضا دعوة مبطنة لأصحاب الضمائر الحية و أولي الألباب ممن يعشق و يمتهن قول الحقيقة ولا شيء غيرها و من يخشى محاسبة التاريخ و الله و الوطن المسلوب من قبل الإحتلال المغربي لتشخيص الواقع و البحث عن السبل الكفيلة بمعالجة داء "السرطان " الذي بدأ ينهك و"ينتهك"  جسم الجبهة الثورية " البوليساريو " على حساب عذرية الدولة الفتية "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" خاصة و أن هذا "السرطان الخبيث" تجاوز المراحل الأولى من "الإنتهاك" المفضوح بكثير، وذلك  حتى لاينخر " هذا الفيروس المتعفن" كل الجسم الوطني ويؤثر سلبا على ما تبقى من محصول وعلى المصير و الطموح وحينها لن ينفع "الكي" بالرصاص و النار على شاكلة واقعة 1988 الماثلة في أذهان و تشخيص الجميع ؟؟، حتى وإن كان  " أخر الدواء الكي" و أَلْـفــَـــاهَـــمْ يَــفْـــهـَـــــمْ ‼

Share Link: Share Link: Bookmark Google Yahoo MyWeb Digg Facebook Myspace Reddit