خونة الواقع وخونة القضية.بقلم : السالك الصبار. طباعة
الأخبار - الرأي والرأي الآخر.

لا يخفى على اين كان حساسية كلمة "الخيانة" خاصة لدى الاقوام والشعوب التي تخوض حروبا من أجل الوطن، وكما على الكاتب الحذر عندما يتناول الموضوع، يتوجب ايضا على القارئ أن يتمعن جيدا كي لا يقع سوء التفاهم بين المتحدث والمستمع وبما أن الموضوع مشترك بين الناس، وهو من مواضيع الخلاف وجب على الجميع ("الخائن" و"المخان") أن يستحضروا جيدا القول الشائع " الخلاف لا يفسد للود قضية".

لقد مر الشعب الصحراوي بفترة عصيبة وهي وفقا للتاريخ الذي لقن لنا من أصعب الفترات تكالبت عليه فيها العديد من قوى الشر والعدوان الخارجي والداخلي، الدولي والجهوي والاقليمي، شر بعضها أهون من شر البعض الاخر.... ومن الطبيعي أن لا ينتظر الانسان الخير من العدو الخارجي سواء كان إقليميا أو جهويا أودوليا وبالمقابل فالانسان في حالته الطبيعية لا يمكنه أن يتوقع الشر والخذلان والطعنات من الظهر من طرف بني جلدته وإخوته وحملة لواء قضيته، وبالنتيجة فإن الالم المترتب عن مصادر الشر ليس متشابها، فأنت تتألم وتتمسك بالصبر عندما يأتي الشر من العدو لانك مؤمن بأنه لايريد لك إلا الهلاك ولا غاية له سوى محوك من فوق الكوكب....ولكن ما عساك تشعر عندما تعلم وترى وتشعر وتعيش الالم بسبب إخوتك في الدم وفي القضية؟ ستشعر لا محالة بألم لا مثيل له، سترغب في أن تبكي وترغب في أن تتقيأ وترغب في الإنتحار لأن الواقع يصبح مقلوبا ولا معنى له... أنت الذي أمضيت العمر وريعانه شاهرا سيفك في وجه الاعداء والاصدقاء على السواء دفاعا عن الاخ وعن المناضل وعن حملة لواء الوطن والوطنية، تتفاجأ بالأخ والمناضل وحامل لواء القضية يبصق في وجهك ويتذمر لرؤيتك ويلعن اللحظة التي شاركته فيها القضية والوطن....يحدث هذا وأنتما معا في بلاد المنفى ليس لكما ارض ولا وطن إلا في حبر المنظمات الدولية. أنت الذي فقدت الاب أو الاخ في معارك حرب التحرير، وفقدت الجد والجدة في فيافي البيداء المقفرة فر رحلة البحث المضنية عن وطن حر رحيب، تنتبه إلى أن من جاءوا بك الى التراب القفر من أجل القضية لا يسكنون معك في الخلاء عائلاتهم وأبنائهم من طينة تختلف عنك، لا يحملون ما تحمله من وثائق هوية ولكن الادهى والأمر أنهم لايفكرون نفس التفكير.... أنت الذي ولدت في المنفى ولم تحظ بفرصة لتناول الافطار في صحون زجاجية وفتحت عينيك على ارض جدباء كبرت وترعرعت وتزوجت وانجبت فيها وربما ستموت فيها ولكن من اجل القضية، تبتلع كل انواع المرارة غصبا من اجل القضية وعندما تحاول التعبير عن رغبتك في ارض خضراء وظلال الطلح ونسمة حرية تتهم بأنك تعمل لأجندة خارجية معادية. ومن يتهمك ليس الاعداء بل الاباء الذين ارغموك عنوة بحسن/ "سوء" نية على البقاء معهم من أجل القضية ولكن في غمرة نشوتك بالانصهار فيها ورقصتك على نغمات حلاوة الدفاع عنها ينسل المعنيين بتوجيه مسارك خفية وينغمسون في أمور أخرى لا يسمحون لك بمجاراتهم فيها لأنك من طينة البسطاء بينما ينتمي كل ما في محيطهم العائلي والمهني الى عجينة الملائكة.... وحينها تتساءل هل كتب عليك أن تبقى الى الابد بين سندان الواقع المر من أجل القضية، ومطرقة تصرفات علية القوم وطبعا من أجل القضية ,وإن حاولت التذمر تقاطعك الوالدة والوالد والخالة والجيران والإدارة المحلية وسائق شاحنة المياه وموزع الغاز وتصبح في خانة "خونة" الواقع..... وعندما يتعقد الوضع وتصبح العوامل الاقتصادية هي البصيص الوحيد الذي يربطك بالواقع المقيت تجد أن إدارة الخزينة شطبت إسمك من "المستفيدين" من ريع القضية. لماذا فقط لأن تفكيرك مختلف ولأنك ناقم على الواقع في نظرهم عليك القبول به مهما كان الأمر حتى إن أقاموا هم في بروج الجنة عليك البقاء في حياض جهنم المنفى وليس هذا فقط بل تبقى فيها وبدون الحصول على ما يحصل عليه الراضين بالواقع المر فأنت في نظر علية القوم محروم من الحقوق لأنك فقط تفكر في الوطن بطريقة مختلفة.

كما اسلفنا كل الصحراويين في قدر واحد، عركهم العذاب معا، تجاوزا الصعاب معا، ولكن في الزمن الأخير وفي الواقع ماعادوا معا، فقد أصبح للواقع سكانه والمعذبين به بينما فئة أخرى من القوم "تناضل" من أجل القضية وتمتص رحيقها ولكنها في واقع آخر. فكيف يسمي إذا هؤلاء "خونة الواقع" نصفهم الآخر ممن زاق عن الخط الذي أفنى عمره من أجله ومن أجل القضية، كيف يفسرون التصرفات التي يقدم عليها الأخ والمناضل وحامل اللواء عندما يصبح أبناءه فئات وأصناف عدة بعضهم يتقلب في العسل والبعض يتقلب من لسعات البعوض، كيف يصفون من سمح لنفسه بتغيير معنى الوطن ومعنى القضية، ويتساءلون من جانبهم إن كان يخدم أجندة أجنبية بقصد أو بدونه فهم على الاقل ليسوا محرومين من حق توجيه الاتهام ومن التفكير بطريقتهم في من وضع لهم إطارا ليسوا على قدره وبعيدين منه كل البعد....القضية لا تزال على حالها والتكالبات تزداد وتتعقد وهم على ماكانوا عليه من ذوبان في القضية ولكن ماذا عن البقية من القوم؟ كيف ينظرون الى انفسهم؟ ترى في أية خانة يصنفون تصرفاتهم؟ كيف يعللونها وبأي منطق يصرون على الاستمرار فيها؟ وإذا أصروا على أن للواقع خونته فماذا عن خونة القضية؟

Share Link: Share Link: Bookmark Google Yahoo MyWeb Digg Facebook Myspace Reddit