مخزن الربوني ومخزن الرباط... طباعة
الأخبار - الرأي والرأي الآخر.

بقلم: المصطفى عبد الدائم

مما لا شك فيه أن مصطلح المخزن الصحراوي لم انحته على "صخر ترف فكري"، ولا صدر عن "نزوع ذاتي" سوداوي متشائم، بل على العكس تماما نحتت هذا المصطلح انطلاقا من سؤال مشروع عن أوجه الشبه العديدة والمتعددة بين المخزن المغربي وبين المخزن الصحراوي .. فهل تصح المقارنة بين المخزنين؟

الأكيد أن "البعض" يرفض مثل هذه المقارنة لتباين الشروط التاريخية، ولانتفاء المراجع التي تؤكد تطابق المخزنين على المستوى النظري . ومثل هذا الدفع يحصر المسألة فقط في الإشتغال المعرفي على الحالة المغربية فقط، وتوقف هذا الإشتغال على إشكال التعريف الذي يشتق فيه لفظ المخزن من الكلمة الفرنسية (magasin)، أي المكان الذي عادة ما تجمع فيه / تخزن فيه العدة والعتاد .. وعليه فالمخزن هو ما يتحصل (بضم الياء) عليه من عدة وعتاد بهما يتوفر للسلطان على القوة والسيطرة القادرتين على ضبط وتوجيه البلاد والعباد وفق مشيئته " الشريفة "، كما يتذرعون في رفض هذه المقارنة بين المخزنين المغربي والصحراوي إنطلاقا من الفراغ النظري الذي يؤطر المخزن المغربي فقط وخصوصا الكتابين الهامين: كتاب الأمريكي " واتر بوري " (أمير المؤمنين والنخبة السياسية المغربية)، وكتاب الفرنسي " ريمي لوفو " (الفلاح المغربي المدافع عن العرش.)

بمعنى أوضح فإن هؤلاء " البعض " لا يقبلون بوجود مخزن صحراوي فقط لأن المصطلح مستحدث من جهة، ومن جهة أخرى لأنه أصيل في الحالة المغربية، فهل مثل هذين الدفعين كافيين لتبرئة النظام الصحراوي من تسميته بالمخزن الصحراوي؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، لابد من تقديم بعض الاضاءات التي تضمنها كتاب (أمير المؤمنين والنخبة السياسية المغربية) لواتر بوري، وكذلك كتاب (الفلاح المغربي المدافع عن العرش) لريمي لوفو .. فالأول أكد أن (العلاقة بين المخزن والنخب السياسية المغربية قوية ومتينة مادامت تنتمي إما للمؤسسة العسكرية أو للعائلات المقربة من الملك وترتبط فيما بينها عبر القرابة والمصاهرة ن ولذلك فيهي تختلف في الظاهر ولكنها في العمق وجودها مشروط بوجود الملك وبقوته التي يستمدها بالطبع من هذه النخب ...)، واما الثاني فقط أكد أن (المدافع الشرس عن الملك والملكية هم المتضررون منها (أي الفئات الفقيرة مثل الفلاح المغربي) .. ويخلص الكتابين معا الى قناعة خطيرة مضمونها أولا أن (النخب السياسية المغربية يستحيل بطبيعتها أن تسعى إلى تغيير النظام المخزني المغربي باعتباره ضامنا لوجودها، وبالمقابل أيضا فإن فقراء المغرب يستحيل ان يثوروا على الملك سواء تحققت لهم ابسط شروط العيش أو ظل الجوع ينهشهم، بل هم أول من سيقف في وجه مثل هذه الثورة إن قامت ...)

وبالعودة لسؤال التسمية والذي بعرضه أولا على التعريف المخزن رغم (تبسيطيته) بين قوسين، فلا مبرر معرفي يقوم حائلا دون مطابقته للحالة الصحراوية، ذلك أن الرئيس / الزعيم استمد سلطته وفرض سيطرته على كل مناحي الحياة الصحراوية وتحكم في تسيير شؤونها من خلال امتلاكه مفاتيح المخزن / magasin أين تخزن (بضم التاء) العدة والعتاد وكل المنافع والتي يوزعها حسب إرادته وبما يضمن الولاء والطاعة التامين لشخصه .

كما أننا بعرض تسمية النظام الصحراوي بالمخزن الصحراوي على خلاصة الكتابين الهامين "لواتر بوري" "وريمي لوفو" (أمير المؤمنين والنخبة السياسية المغربية) و(الفلاح المغربي المدافع عن العرش) لا تجد كبير عناء في وجود عناصر تشابه بارزة سواء تعلق الأمر بالنخبة السياسية أو بالفئات الشعبية، فنفس العلاقات قائمة في الحالة الصحراوية إذ أن (المخزن الصحراوي يستمد قوته، ويضمن بقاءه، واستمراره، من خلال تمتين شبكة العلاقات القبلية والعائلية والمصاهرة، هذه الشبكة التي يحرص المخزن الصحراوي ان تكون نواتها الصلبة من الجيش) وهذه الشبكة هي التي تستفيد مما خزنه " النظام الصحراوي " من عدة وعتاد ليست بالضرورة كما قد يفهم البعض مجرد أشياء، إنها منافع عينية ومناصب وتعيينات وترقيات وغير ذلك مما يوظفه المخزن من " مخزنه/ magasin " في تثبيت وجوده واستمراريته وبقائه " الأبدي " .. وطبعا فأن مهمة " النخبة السياسية الصحراوية " هي – مادامت تعرف أن وجودها مرتبط بوجود الرئيس / الزعيم – فإنها مجبرة على (الإذعان لكل أوامره، ونواهيه ولكن أيضا للقيام بكل أدوار الاختلاف الظاهري بما يفيد دوام الحال واستمراره) ويبقى أن السواد الأعظم وبفعل الآلة المخزنية والتي تشتغل كما قلت (بتقوية شبكة العلاقات القبلية والعائلية وبالمصاهرات)، ومن خلال تعطيل الفكر وتأجيج العواطف والمشاعر من جهة، ومن جهة أخرى و من خلال العمل على إشاعة أن كل خروج عن هذه الشبكة بالإضافة الى الأضرار على المستوى الشخصي والعائلي والقبلي، فهو إنتقال إلى ضفة " العدو " وسقوط في دائرة " الخيانة "، مما يفرض على هذا " السواد الأعظم (الخضوع اللا إرادي)، والقبول بالوضع الحالي .

وإذا تجاوزنا الجانب النظري، وقمنا بعقد مقارنات بين المخزن الصحراوي والمخزن المغربي، أليس وضع محمد عبدالعزيز كرئيس مدى الحياة مشابه لوضع ملك المغرب؟السنا بذلك أيضا أمام جمهورية ملكية؟ أليس محمد عبدالعزيز هو القائد الأعلى للجيش تماما كما ملك المغرب محمد السادس؟ أليس محمد عبدالعزيز هو الذي يترأس مجلس الوزراء ويصادق على قراراته تماما كما ملك المغرب؟ ألا تخضع مباشرة وكالة الانباء والتلفزيون الصحراوي للرئيس محمد عبدالعزيز ولا سلطة لوزير الاعلام على هذين القطاعين تماما كما هو الحال لوكالة الانباء والقنوات التلفزية لملك المغرب؟ الا تخضع كل التعيينات في المناصب المدنية والعسكرية لإرادة الرئيس محمد عبدالعزيز تماما كما هو الحال في المغرب؟ ألا يحظى كل عائلة الرئيس والمقربين منهم قبليا وعشائريا بامتيازات غير خافية على أحد تماما كتلك التي تحظى بها في المغرب العائلة الملكية وحاشيته؟ ألا يخضع القضاء للسلطة التنفيذية وأوامر الرئيس نماما كما هو الحال في المغرب؟ ألم يتم اعتقال وطرد وتخوين كل معارضي نظام محمد عبدالعزيز كما يحدث في المغرب؟ ألا يتم في كل مناسية أو عقب كل خطاب للرئيس تفخيم المنجزات للتغطية على الأعطاب تماما كالسائد في المغرب حسب مقولة (كولوا العام زين)؟ ألا يتم إخفاء الحقائق عن الشعب، وإلهائه بقضايا هامشية تماما كما في المغرب؟ وغير هذا كثير وكثير جدا...

لكن رغم هذا الذي قدمناه، لاشك أيضا أننا مجبرون ليستقيم نحتنا لمصطلح المخزن الصحراوي لابد أن نطرح السؤال الواضح والمباشر عن الجذور الثقافية لهذا المصطلح في مجتمعنا الصحراوي؟ بمعنى أن هؤلاء الذين يسيطرون علينا اليوم، والذين يفرضون علينا إرادتهم، وحولوا الشعب الصحراوي الى قطيع .. هل هؤلاء ليسوا بشرا؟ هل هم أقوام أخر؟ هل نزلوا علينا من كوكب آخر؟، الأكيد أن الذي يضع يده على (المخزن/ magasin) ويتحكم بكل ما فيه، ويوزع ما فيه حسب مشيئته و إرادته واحد منا، ولم يكن يوما إنسانا خارقا للعادة/ سوبرمان ... كما أننا لسنا شعبا من الحمير والسذج والاغبياء ... فكيف استطاع أفراد منا أن يستأسدوا علينا؟ لابد أن القبول بالأمر على هذا الوجه فيه إحتقار لذكاء العامة / الشعب الصحراوي، بينما الحقيقة أن للمخزن الصحراوي معنى ذاتيا، وبمعنى أوضح أن المخزن الصحراوي هو أنا وأنت والجميع ..فالإمتياز الذي قد يحظى به أي منا دون وجه حق .. فالإمتياز الذي قد يحظى به أي منا لأسباب قبلية أو بسبب القرابة أو المصاهرة .. كل من الامتيازين وغيرهما من الامتيازات التي قد يحوزها اي منا لسبب غير الكفاءة والاستحقاق والجدية وامتلاك رؤية مستقبلية، تشكل في الواقع منح الوجود المخزني حياة أطول، وتمده بسلطة أقوى ...

وعليه فالمخزن الصحراوي ليس مصطلحا أقحم في حياتنا، بل هو هذا القبول " المخزي " أن تكون العلاقات القبلية والعشائرية والعائلية محتكرة لمراكز القرار سياسيا وإقتصاديا .. أن يقبل برئيس مدى الحياة .. وأن يعيش البعض في قصر على بعد أمتار ممن يعيش في خيمة لا تقيه حر الشمس ولا التساقطات المطرية ..أن ينعم البعض بالعيش في اوروبا، ويفرض على غيره البقاء في مخيمات اللاجئين طول حياته .. أن تقابل التضحية بالنكران والتجاهل، وأن يحتفى باللصوص والمختلسين والجلادين .. ان ينبذ كل منتقذ للفساد والمفسدين، في وقت يتم التطبيع مع الفساد والمفسدين ويتم ترسيمهم في هرم المسؤولية .. أن يصبح للخنثى "عيشتو رمضان" وجود سياسي وإعلامي تحت مظلة مجرم قتل بدم بارد مئات الصحراويين، ورغم ذلك وضدا على كل المطالب الدولية بتنحيته نقبل اليوم كشعب وكمثقفين أن يشارك من جديد في صناعة مستقبل الشعب الصحراوي ...

ولذلك أجزم أن المخزن الصحراوي هو هذا المعنى الذاتي المستشف من قبولنا لكل ما سبق ذكره، وما لم نذكره من فساد ومفسدين ...

Share Link: Share Link: Bookmark Google Yahoo MyWeb Digg Facebook Myspace Reddit