ماذا بقي من الثورة مع هذه القيادة العاجزة.بقلم ابراهيم سيد احمد. طباعة
الأخبار - مشاركات

الانسان في تفاعله مع الاحداث - وخصوصا القريب والمعاصر منها- عادة ما يغلب عليه الطابع العاطفي والوجداني دون الاخذ بعين الاعتبار جذور ومنطلقات تلك الاحداث ، لانه وبكل بساطة قد لا يراها تنسجم مع افكاره وعواطفه ومعتقداته الحالية ، او لانه قد اعتاد على ان يكون متلقي ولاهم له في البحث والتحري عن ماهية وحقيقة الامور.
ولكي يتمكن عزيزي القاريء من مواصلته في تتبع وقراءة هذا المقال دون اصابته بجلطة دماغية او بصدمة وجدانية ، فعليه ان يحكِّم عقله ويتجرد من عواطفه ويقلل من ثوابته ويلين في قناعاته .

اظن انه اصبح حريا ولزاما علينا جميعا ان نقف ولو للحظة واحدة ، نفكر فيها بكل صدق وشفافية ويسأل كل منا الآخر بعد ان نسأل انفسنا !! هل كنا بحاجة لمثل هذه الثورة ؟ بل هل كنا اساسا بحاجة الى ثورة من اجل المطالبة بالحصول على استقلالنا ؟ الم تكن هناك بدائل وسبل أخرى للحصول على الاستقلال ؟ ثم حتى وان سلمنا جدلا بحتمية قدر الثورة ، فهل كانت ثورة 20 ماى في اسلوبها ونمطها حتمية هي الأخرى ؟ وفي الاخير ونحن نقترب من نهاية العقد الرابع من عمر هذه الثورة ، الا يحق لنا ان نسأل عن ماذا تبقى منها ؟
وكما اسلفت مقدما ، فلكي نبحث عن جواب لتلك الاستفسارات فإنه من الضروري التجرد من رداء العاطفة والتعصب والتحجر ، والجزم بإمتلاك الحقيقة والتفرد بها ، وان نكف جميعا عن توزيع " صكوك الوطنية " . ولكي تتضح الرؤية للجميع ونكشف بعض الغيم ونفند بعض اكاذيب تاريخنا الحديث ، فانه لا مفر لنا من اعطاء لمحة مبسطة عن الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تمر بها منطقة الصحراء الغربية وسكانها بسنوات قليلة قبل الاعلان عن تفجير الثورة ، لكي يكون الكل على بينة من مدى موضوعية قيام الثورة من عدمها في تلك الظروف .
ان من كان يسكن الصحراء الغربية " الاسبانية " في تلك الحقبة ، اي منذ نهاية الخمسينيات الى بداية السبعينيات ، لا يمكنه القول الا بان المنطقة كانت تتمتع بامن واستقرار مشهودين .
من الناحية السياسية ، كان هناك استتباب اداري وتنظيمي تام مع الاخذ في عين الاعتبار بخصوصية المنطقة الصحراوية كمقاطعة اسبانية ، كان الصحراوي يتمتع بجل حقوقه المدنية . اما التمثيل السياسي، فكان مجسدا في اعضاء الجماعة الذين يتم اختيارهم شعبيا من طرف القبيلة. وهذه الجماعة هي التي كانت مخولة بالتنسيق والتفاوض مع الحكومة المركزية في كل ما يخص شأن الصحراويين وحاضر ومستقبل المنطقة.
اما من الناحية الاقتصادية ، فكانت المنطقة تشهد ازدهارا اقتصاديا غير مسبوق ، فعملية استخراج الفوسفات وبناء الحزام الناقل كانت على نهايتها ، وفي مجال الصيد البحري كانت عائداته في تزايد مطرد ، بل انه تم ضخ اموال حكومية من اجل انعاش المنطقة اقتصاديا الى درجة انعدام تقريبا البطالة في صفوف من هم في سن الشغل في نهاية الستينيات . ولعل معدل دخل الفرد في بداية السبعينيات في المنطقة كان من اعلى المعدلات في افريقيا ، بل في البلدان النامية جميعا. وهذ راجع في الاساس لقلة عدد السكان وكثرة موارد المنطقة. ومن الناحية الصحية ، فقد شهدت المنطقة تراجع شبه تام لانتشار الاوبئة الفتاكة التي كانت تعصف بسكان المنطقة من حين لآخر ، ولا شك ان لحملات التلقيح التي كانت تجرى للسكان الفضل في ذلك التراجع الملحوظ ، ضف الى ذلك بناء بعض من المراكز الصحية في المدن الكبرى . وبخصوص الجانب التعليمي ، فلقد تم بناء مدارس لكل من اراد التعليم باللغة الاسبانية - العربية كان يتم تدريسها يومين في الاسبوع - في معظم المدن الصحراوية ولم يتم منع مزاولة التعليم التقليدي في الكتاتيب القرآنية . كذلك كان بإمكان كل من وصل لدرجة التعليم الجامعي مواصلة دراسته الجامعية في اي من الجامعات الاسبانية في اطار بعثات طلابية منتظمة ، ولعل الكثير ممن كانوا يزاولون تعليمهم في الجامعات الاسبانية هم قيادة سابقين وحاليين في الجبهة.
عموما وقبل حادثة انتفاضة الزملة 1970 ، لم تشهد المنطقة اي حراك سياسي يذكر ، ولم يكن هناك لا قمع ولا مساجين ولا تعذيب . كان هناك تعايش سلمي وعلاقات ودية بين الصحراويين والاسبان .
كل ما سبق لا يتعارض مطلقا مع حق الصحراويين في تقرير مصيرهم وتصفية الاستعمار ، فقط اردت التمهيد بذكر الوضعية والواقع المعاش في المنطقة ، دون اية مبالغة او اسراف ، لكي نضع الامور في سياقها التاريخي الصحيح قبل تفجير الاوضاع فيها وقلب الامور راسا على عقب .
لعل "منظمة الطليعة لتحرير الصحراء" ، بقيادة سيد ابراهيم بصيري ، كانت هي الحركة او المنظمة الاهم في تلك الاونة قبل ظهور البوليساريو ، فبالرغم من قلة المعلومات وتضارب وتناقض بعضها ، وهو راجع في الاساس لقصر عمر المنظمة ، الا انه يمكننا التحدث عن اول محاولة جادة لبعض افراد المنطقة للدخول في تكوين سياسي بغرض الضغط على المستعمر الاسباني من اجل الدخول في محادثات تهم شأن ومصير المنطقة .
ورغم فشل المنظمة واعتقال قياداتها، الا انها كانت بمثابة نداء وتحذيرصريح للمستعمر ببداية نشأة وتكوين وعي وطني سياسي صحراوي ذاتي وغير موجه .
بعد انتفاضة الزملة واسر قائدها رجعت الامور الى مجاريها، الا ان المستعمر الاسباني اصبح اكثر حيطة " اللي عظو لحنش اعودلو لحبل خلعة ". اصبح هناك نوع من الشك وسوء الظن المتبادل ، الا ان الامور ظلت تسير بشكلها السابق ، نمو اقتصادي متسارع ، تطور اجتماعي ملحوظ ونزوح معظم اهل البوادي الى المداشر.
لقد تم الاعلان عن تكوين و قيام جبهة البوليساريو في العاشر من ماي 1973 ، في ظرف كانت قد ادرجت فيه قضية الصحراء الغربية في خانة تصفية الاستعمار في الجمعية العامة ، في زمن كانت السلطات الاسبانية قد اعلنت فيه عن قبولها باجراء استفتاء تقرير المصير . في وقت كانت قد تكثفت فيه المشاورات بين ممثلين الجماعة " الشيوخ " والسلطات الاسبانية ، بل انه ومنذ بداية الستينيات كانت المحادثات والمفاوضات جارية بين اعضاء الجماعة مع الحكومة الاسبانية لرسم ملامح وطبيعة المستقبل السياسي الذي ستكون عليه الصحراء الغربية انطلاقا من املاءات الامم المتحدة وحق الصحراويين في تصفية الاستعمار (وهنا لابد من الاشارة الى ان المحادثات بين الجماعة والحكومة الاسبانية كانت قد وصلت الى اطوار متقدمة من تصور للخطوات التي ينبغي اتخاذها من اجل تصفية الاستعمار على نحو يضمن للصحراويين حقوقهم ويكفل للاسبان منافعهم في الارض). كانت الجبهة قد اعلنت في وضع وحالة نمو اقتصادي واجتماعي متسارع وواعد بمستقبل زاهر للمنطقة وسكانها.
ايضا في تلك السنوات كانت قد تمت تصفية الاستعمار من معظم المستعمرات الافريقية ، وفي جلها بطريقة سلمية وتفاوضية دون ما حرب او ثورات . كذلك كانت الثورة الكوبية في ذروة انتصارها ، وكان خيال اتشي غيفارة يخيم بظلاله في كل اصقاع المعمورة . زد على كل ذلك ثورة الشباب الفرنسي في ماي 1968 و تزايد المد الشيوعي والحرب الباردة بين القطبين .
اذن في كل تلك الظروف نشأت الجبهة …..واذا ما نظرنا الى احوال اهل المنطقة والى الافق السياسي والاقتصادي الواعد في ذلك الحين ، واذا ما ادركنا ان المصالح الجيو استراتجية للصحراويين انذاك كانت تسلزم نوع من الهدو وطول النفس وعدم الدخول في مغامرات غير محسوبة ، حينها سنقف ليس فقط على عدم ملاءمة او موضعية قيام الثورة في ذلك الوقت ، بل انها كانت ، عن قصد او بغيره ، ضد المصلحة الاستراتجية للصحراويين . لم يكن هناك من مؤشر – من اي نوع كان – ينصح بضرورة او ملاءمة القيام بأي فعل سياسي في المنطقة ، بل على العكس ، كل المؤشرات لمن كانت لديه حكمة او ادنى فهم لاحوال الصحراويين في تلك الاونة ، كانت تشير الى مصلحة الصحراويين في عدم تحريك المياه الراكدة وانتظار ماذا ستسفر عنه السنوات القادمة . وهنا السؤال الاكبر…لماذ تمت نشأة البوليساريو في ذلك الوقت بالذات ؟ وهل كان من الممكن الانتظار لمزيد من الوقت؟ في حقيقة الامر وللاجابة على هذا الاستفسار العريض بكل بساطة ، يجب ان نتعرف ولو في عجالة على من كانوا وراء تكوين ونشأة الجبهة¨ " البوليساريو " .
فالمجموعة وعلى رأسها ، الولى مصطفى السيد ، كانت في اغلبها عبارة عن شبان وطلبة في مقتبل العمر ، يحذوهم الطموح ، وتراوضهم الاحلام ، وتتقاذفهم امواج العزلة والتهميش في مجتمع تربوا فيه ولكنهم لا يشعرون بالانتماء او الانتساب له. شباب تكون لديهم نوع من الوعي السياسي والصحوة الوطنية في خوض غمار مشروع تحرير لمنطقة لم يعيشوا فيها ولكنهم يشعرون بالانتماء لها.
فالجماعة بحكم وضعها المتناقض ــ النشا والعيش في وطن ومجتمع لا يشعرون بالانتساب له ــ كانوا انفسهم احوج الى الاسراع في تحرير الصحراء من الصحراويين القاطنين في الصحراء نفسها. وهنا يكمن بيت القصيد ، فعملية اسقاط اوضاعهم الشخصية وتعميمها على كل الصحراويين كانت خاطئة في اساسها , فظروف هولاء الطلبة من تهميش وعزلة وفقر ومطاردة الى جانب صراعهم مع الهوية ، ليست بالضرورة هي ظروف ومعاناة الصحراويين في المستعمرة.
من ناحية اخرى ، يظهر ان قوى سياسية من اليسار المغربي كانت قد لعبت دورها في تحفيز الولي ورفاقه للبدء في مشروع التحرير، واعيدين اياهم بالدعم والمؤازوة وهو ما لم يفوا به ، وذلك باعتراف من الشهيد الولي نفسه في احدى خطاباته بان قوى اليسار المغربي قد خذلتهم وكانوا يعولون على موقفهم.
ولنا ان نتصور لو ان الثورة لم تعلن في تلك السنوات ، فانه وفي ظرف وجيز كانت اسبانيا ستنتقل من الديكتاتورية الى الديمقراطية ،الشيئ الذي بدون شك كان سيعزز من حظوظ الصحراويين في تضفية الاستعمار بطريقة امنة وسلسة .
وبالاخير ، فالمجموعة ركبت موجة التحرر وقررت البدء في العمل دون تحضير ودون امتلاك اي امكانيات تذكر......اللهم تلك التي كانوا يؤمنون بحتمية وقوعها.
لم يكن في تلك المجموعة من مثقف او اكاديمي يذكر سوى اثنين : الاول هو الولي مصفي السيد ، ذكي بحكم الفطرة ، ولديه سهولة وسرعة مذهلة في تعلم وتحليل الامور من الناحية النظرية والفكرية المجردة . تنقصه التجربة ، اندفاعي بطبعه ، عنيد في الكثير من الاحيان ومستبد في رأيه احيانا اخرى. اما الثاني فهو احمد بابا مسكة ، مثقف حتى النخاع ، اكاديمي وله خبرة وتجربة معتبرة في مجالي السياسة والصحافة ، وكان الولى يعزه ويقدره ويوليه مكانة خاصة عنده . كان الاثنان متفقين على حتمية التقاء نهري مجتمع البيظان في مجرى واحد بشكل طبيعي وطوعي . تم تهميشه وعزله بعد استشهاد الولى من طرف اعضاء نافذين في اللجنة التنفيذية انذاك ، مما ادى الى خروجه من الباب الخلفي للجبهة.
غير هذين القطبين ، كانت الجماعة تنقسم الى قسمين بين انصاف متعلمين واشباه مثقفين ، يغازلون الشيوعية تارة ويسامرون الاشتراكية تارة آخرى.
على اية حال ، تم الاعلان عن انتشاء الجبهة وانتهاج سبيل الكفاح المسلح كطريق اوحد لتحقيق مآرب الصحراويين . وبعد سنتين او اكثر من الكر والفر في مواجهة الاستعمار الاسباني ، ظهر لاعبون جدد في قلب الصراع واحتدت الازمة وخرج الاسبان ليتم غزو المنطقة من طرف الجارين ، المغرب وموريتانيا.
وعندها التف الجميع حول الجبهة - في كثير من الحالات مرغم اخاك لا بطل - لتبدأ مرحلة جديدة من التضحيات الاسطورية ، ومن العطاءات بد ون ملل و لا كلل . شعب اسطوري بكل ما في الكلمة من معنى . شعب تعالى عن كل الصغائر ، ووضع رأسه وعنقه تحت سيف قيادة لتفعل به ما تشاء.
قيادة كانت قد احسنت الصنع في البداية ولكنها لم ترقى يوما الى مستوى هذا الشعب الفريد . فمنذ البداية كان التطاحن والتآمر سيمة افرادها ، حتى والولي على قيد الحياة لم تسلم القيادة من الفتنة والانقسامات ، اما بعد رحيله فحدث و لا حرج . كل ذلك ليس الا غيظ من فيض ، يوحي بأن هذه القيادة لم تكن سليمة المقاصد لا في بداياتها ولا في خااتمها في سنة 1988 . فمنذ تلك السنة لم تعد هناك قيادة ، وتحول مشروع الدولة الى مشروع طوائف وحكم الفرد الواحد المحاط ببطانة وحاشية لا تُسبِحْ الا بحمد العطاءات من " المطالب والغرفات " التي يمنُّ عليهم بها .
ومهما يكن من امر ، فإن الثورة التي اُعلنت في ارض الصحراء الغربية كانت ثورة ناجحة في بداياتها ، وحققت بشعبها مكاسب مذهلة ، وقدمت تضحيات لا يمكن تعويضها الا با لاستقلال الكامل والغير مشروط . وكما يقال " فالامور على خواتمها " ورغم ان هذه الثورة لم تنته بعد الا انها مصابة في رأسها ، فلقد تضخم الرأس وهرم وشاخ من به حتى ولوا جميعهم اشباه " مومياوات " . فلم يعد جسم الثورة النحيف قادرا على حمل هذه العالة الثقيلة ، واصبح لزاما علينا جميعا - تماشيا مع ما كان يدعو له مفجر الثورة - ان نهزها ، وبما ان السيل قد بلغ حد الزبا ، فإن الهز وحده لم يعد يجدي نفعا وصار من الضروري اجتثاثها ، اي اعلان الثورة على ما تبقى من الثورة .
فالوطن لم يعد كله ، والشهادة امست خبرا !!…. امتشاق البندقية اصبح ارهابا لا تنال به الحرية !! ….الاستقرار في الحمادة لم يعد افة للكادر !!…..لم نعد نفدي الصحراء بالكفاح والسلاح واصبحنا نفتديها بطوابير الحقوقيين في السجون !!……وامسينا ندرك ان الدولة الصحراوية المستقلة هي الحل ـ تفسير الماء بالماء ـ
رغم عزوفنا عن الوسيلة منذ وقف اطلاق النار في سنة 1991 .
بقلم : براهيم سيداحمد
هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته

ننبه الأخ الكاتب لخطئه الكبير: فاحمد باب مسكة لم يكن من مؤسسي الثورة ولم يعرف عنها شيئا إلا بعد مجيئه خلال النصف الأخير من سنة 1975 بسنوات قليلة قبيل الغزو المغربي الموريتاني، هيئة تحرير الصفحة




Share Link: Share Link: Bookmark Google Yahoo MyWeb Digg Facebook Myspace Reddit