الذكرى المئوية لمعركة لبيرات، واكليب اخشاش. |
الأخبار - منوعات |
السبت, 16 مارس 2013 01:08 |
قرر المجاهدون الإنتقام بعملية كبيرة للأميرسيد احمد ولد احمد العيدا واعتقاله، ولهزيمة أحمد الهيبة، وهكذا جهز المجاهدون قوة بزمور في أودي السكوم جنوب غرب السمارة على رأسها المجاهد الكبير: محمد ولد الخليل ولد اعل ولد ادخيل من أتهالات. ويشاركهم الشيخ محمد لغظف ولد الشيخ ماء العينيين، وأنطلقوا نحو حاسي زوكَ، ومنه أرسلوا مجموعات للإستطلاع، وبعد ذلك توجهوا إلى منطقة التيجريت، وشن المجاهدون هجوما شاملا ومفاجئا مع الخيوط الأولى لطلوع الفجر صبيحة يوم 10يناير 1913م، على مركز للقوات الفرنسية في لبيرات. وكانت المفاجأة تامة، وتمت تصفية القوات الإستعمارية وغنم أسلحتهم وذخيرتهم وأكثر من 500جمل وراحلة، وقتل قائد المركز الملازم أول مارتان Martin والعديد من ضباط الصف وقرابة 100من السنغاليين والحركة الموريتانيين، وكانت عملية عظيمة وناجحة تناقلتها وكالات الأنباء البدوية :كَولو كَولو… عبر البوادي، وتحت الخيام، وبين رعاة الغنم والإبل، وأستقبلتها النساء بالزغاريد والأطفال بالإعجاب، والكهول بالتقدير والتهليل والتكبير والدعاء للمجاهدين بالنصر المبين على النصارى المعتدين. وغنم المجاهدون أكثر من 150 بندقية و20000طلقة والعتاد والتموين وتركوا مركز لبيرات قاعا صفصفا ونصر الله المجاهدين. زاد هذا النصر في معنويات المجاهدين، فشنوا هجوما على قوات فرنسية عند بئر قريب من لبيرات قوامها 25 رجلا يحرسون مخازن للتموين، فقاموا بتصفيتها وغنم ما في المخازن من أسلحة وذخيرة ومواد وأنطلقوا غانمين نحو الصحراء، بعد أن قسموا الغنائم فيما بينهم بأحميم وكان الشيء الكثير. بينما بقيت مجموعتان: الأولى هاجمت مواقع الفرنسيين بأترارزة، والأخرى هاجمتهم في آدرار وتكانت وأنطلقوا نحو شنقيطي وقضو على قوة فرنسية هناك.
معركة أكليب أخشاش وموت النقيب جيرار GEHRARD:خلال عملية لبيرات البطولية كان المقدم موريت Mouret، المحافظ العام للحكومة الفرنسية، الذي خلف العقيد بيتاي Petay قد وصل إلى آدرار في زيارة إستطلاع فوجد الفرنسيين يبكون قتلاهم. وكان هذا الإنتصار للمجاهدين بمثابة إستقبال يضعه في الصورة. كما كان للعملية صداها لدى الشعب الذي إلتحق الكثير منه بصفوف المجاهدين، وأنسحب من المناطق التي تسيطر عليها فرنسا، وتحطمت معنويات الفرنسيين وعملائهم ومن كاتبهم، وقد كتب المقدم موريت :"إنها من الهزائم الكبيرة التي سجلناها في تاريخنا الإستعماري"، ولهذا أصدر المقدم موريت أوامره بشن هجوم على مدينة السمارة عاصمة المجاهدين إنتقاما لقتلي عملية لبيرات، وهذه العملية تثبت أن الفرنسيين لا يعرفون أوضاع المجاهدين ولا ظروفهم. لأن السمارة منذ أن غادرها الشيخ ماء العينيين سنة 1909م، وهي خاوية على عروشها، وليس فيها ماعدا الكتب المتواجدة بالمكتبة. فبدأ بتجميع قواته لهذه العملية الكبيرة :400 رجل من قوات مهاريست الفرنسية تتكون من تسعة ضباط، وعشرين ضابط صف، و148 قناصا سنغاليا، و128 حركيا موريتانيا، و20 من زعماء القبائل الموريتانية الموالية للفرنسيين معهم 150 رجلا مسلحا معظمهم من أولاد غيلان. وذلك في محاولة من فرنسا لتحويل الحرب من حرب جهاد ومقاومة الى حرب بين قبائل آدرار وأهل الساحل… وكل رجل في هذه الحملة لديه 180 طلقة زيادة على إحتياطي 14000 طلقة ورشاشين، وتعد هذه هي أكبر حملة فرنسية بعد حملة إحتلال آدرار. وكل رجل لديه قربتين من الماء مع إحتياطي 1600لتر وتموين 70يوما محملة على الجمال. وأنطلقت القوة يوم 9 فبراير 1913م، من أطار، القوة العسكرية إتجهت غربا – كدية الجل، بئر أم أقرين، الكَلتة التي وصلوها يوم 22 والسمارة وصلوها مساء يوم 28فبراير1913. وقوة القبائل الموريتانية توجهت شرقا- مقطير، قالمان، بئر لحلو، ويوم 28 فبراير 1913م، وصلت القوات الفرنسية قرب السمارة فقرروا المبيت، وحرموا إشعال النيران، يريدون المفاجأة في الهجوم على المدينة. وبقي كل واحد ينظف سلاحه وذخيرته ويتأكد من جاهزية عتاده، وشنوا هجومهم فجرا يوم 1مارس1913م على بنايات فارغة، بحيث لم يكن في السمارة ماعدا تلميذين، واحد إكتشف القوة فأنطلق ليخبر المخيمات في إيرني. أصيب الفرنسيون بالدهشة لما وجدوا أن السمارة هذه التي تهددهم ويتخيلوها مدينة عامرة، فإذا هي مسجد ومكتبة ودار كبيرة لا أقل ولا أكثر، ولا أثر للحياة فيها. ورجع الفرنسيون مهزومين بعد أن قصفوا المسجد وحرقوا المكتبة يوم فاتح مارس 1913م. وكانت هزيمتهم المعنوية أكبر من هزيمتهم المادية. ولما علم المجاهدون، إنطلقوا في أثرهم وألتحقوا بهم بمنطقة أكليب أخشاش، ووقع قتال شبه متلاحم يوم 9 مارس 1913 تكبد الفرنسيون فيه خسائر كبيرة، فقد قتل في البداية الملازم أول Merello، وجرح النقيب كَيرارGehrard على الرأس على يد المجاهد عثمان ولد حمدي الداودي الرقثبي. وتم إسكات الرشاشين بهجوم مجاهدين عليهما وقتل السنغاليين المكلفين بهما، وبدأ موريت يهدد الحركة الموريتانية والسنغالية بسلاحه لمواصلة إطلاق النار وهم يبحثون عن مخابئ لهم وراء الصخور. وعرف موريت أن نهايته قريبة وهو يشاهد المجاهدين يتقدمون نحوه، وقد دامت المعركة 5 ساعات، وتم تضييق الحصار على الفرنسيين، وكبدوهم خسائر معتبرة. وأختبأ المقدم موريت وراء صخرة منتظرا مصيره المحتوم، غير أن مجموعات القبائل الموريتانية التي جاءت من الشرق وجدت إبل المجاهدين فساقت منها ما أستطاعت وولت هاربة، وقد قالوا لولد مكَيً وهم يفتخرون بالغنيمة : ما رأيك؟ فقال: "معلوم إلى ولدو أشوايلها"، وصارت مثلا معناه: "مفيد إذا دار عليها الحول". ووصلت الأنباء إلى المجاهدين وهم على مشارف تصفية القوة الفرنسية، وأسر موريت. وبعد تبادل الآراء قرروا الإنسحاب ومطاردة أولاد غيلان. وهكذا لم يفهم موريت شيئا وهو يشاهد المجاهدين ينسحبون وغبار جمالهم يتعالى وسط مرتفعات أخشاش، بعد أن أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من النصر. فبدأ يجمع شتات قواته، وهو لا يصدق بالنجاة، وأعطى أوامره بالعودة السريعة لآطار، حيث كان يفرض عليهم المسير 18ساعة يوميا رغم معاناة الجرحى الذين مات العديد منهم في الطريق[1].. لقد فقد الفرنسيون خلال هذه المعركة التي دامت 3 أيام أكثر من 100 قتيل من بينهم الملازم أول ميريلو Merello والكبتان كيرار الذي مات متأثرا بجراحه ودفن قرب حاسي تازاديت بعد أن أصبحت رائحته النتنة لاتطاق، ولم يعد ممكنا مواصلة حمله. و 65 جريحا من بينهم الملازم أول ليكوتاLecoutey. كما غنموا صندوقين مملوئبن ذخيرة فر عنهما الرماة الفرنسيون واكثر من 140 بندقية حديثة، فجماعة لحميدنات وحدها غنمت عشرين بندقية. وأعتبر الفرنسيون هذه العملية من أشد المعارك التي تعرضت لها القوات الفرنسية خلال تاريخها الإستعماري في إفريقيا الغربية4: . وقد إستشهد في هذه العملية مجموعة من المجاهدين الأبطال معظمهم من قبيلة سلام، وأذكرمنهم : المعطي ولد محمود ولد أسويلم، لبات ولد عبدا ولد أسويلم، محمود ولدعبدل ولد أسويلم، أحمدات ولد أحميدة، لبات وعيدا أبناء أمبارك ولد مولود، وأمحيميد، والبشيرولد محمد الصغير، وحمدي ولد أعل لبات ولد أعبيد ولد أَحيمداً،عيداً ولد أخويتي، أحمدات ولد أخويتي، أمحمد ولد عيدات، هدي ولد سيد حمدُ ولد الحسين، ومحمود ولد الميداني ولد منة وهؤلاء من قبيلة لبيهات. فقد كان منهم رجل مريض بضيق التنفس ( الظيكة) طريح الفراش ولما سمع بهجوم النصارى على السمارة وأستعداد الناس لمطاردتهم ترجى أبناء عمه أن يحملوه على الجمل ويعطوه بندقية ليشارك في الجهاد مفضلا الشهادة عن حياة في المرض. وبعد توسل وترج لبو طلبه، وشارك في معركة لكُليب وجرح بطلقة في صدره كسرت أضلعه وخرج طرف رئته فقطعوه وأجرو له عملية تقليدية قوامها دسم سنام الإبل ( الودك)، وقد شفي بأذن الله من العملية ومن ضيق التنفس (الظيكة). وعاش قويا متينا إلى أن توفي سنة 1967م. فسبحان الله، ويسمى نافع ولد ميلد ولدعبدل ولد بوكرين. وشن المجاهدون بعد ذلك هجومات على المراكز الفرنسية بمنطقة أترارزة، كما ألتحقوا بأولاد غيلان وهزموهم وأنتزعوا منهم المواشي التي إختطفوها. وهكذا أراد الفرنسيون الإنتقام لهزيمة لبيرات فهزموا هزيمة أكبر منها في أكليب أخشاش. وقد قال أحد شعراء المجاهدين هذه القصيدة من الشعر الحساني يمجد بها العملية: غزي كولونيل الل جارْ بالسودان ولعرب لحرارْ كَيمهم هُما وأهل اطارْ من كَبلَ شركَ جاوْ أكَرانْ للساحل بالحكَ ولا ضارْ عندٌ شِ من ذا كاملْ كانْ أكــــبـــــلْ لـــجــــَا ألدارْ أهل الشيخ وكسر ببانْ وكَد الل كسر من لحجارْ من الدار أخلص بِغمبانْ بالعدة وأخلص من كَيرارْ إيه أصَّ لخلاص العجلانْ أعط فم ايام أفلحصارْ ما هم كيف أيام أَلَمَانْ أكبيظ العشر وشِ يندارْ ماهُ مارك بعد أفشِ كانْ ما يكدي نار إحمي كارْ اُُلا يشرب يكون الدخانْ والرصيون أفرغ والتعمارْ ما ركبلُ خط ولا شانْ وأهرب من فم أطريك النارْ وُهربُ أعرب احمد بن دمانْ ولازين أعلا لعرب لحرارْ إتـــــمُ همــــــــــا بارتزانْ وأحن فالساحل بأستمرارْ لسلام ولــــمان ولمانْ ضد الكفر وضــــد أحتقارْ لعدُ لـــــــــــجانا ويَّا كانْ فينا هون الخلفا لكبارْ وأخليــــــفت مولاي أسليمانْ كاف ذا كاع أبلختصار إلين إبان الاه إبانْ.
وللتذكير كانت ملحمة أكليب اخشاش يوم 9/مارس 1913م وقد قال الشاعر الزعيم: من كتاب مجتمع البيظان للمحجوب السالك.
[1] General Edouard Berthome : Mehariste en Mauritanie. En colonne vers Smara 1907-1913, P: 159. 4 " كتاب الإجتياح الفرنسي لموريتانيا" ص 235 |