محمد عبد العزيز والقذافي، اين الفرق؟. طباعة
الأخبار - الرأي والرأي الآخر.

المتتبع لكل من السيد محمد عبد العزيز، والقذافي رحمه الله، سيدرك بدون عناء ان الرجلين طينة واحدة وتربية واحدة، هي حب السلطة لكل منهما ولعائلاتهما، مركزين على ربط الكل وخصوصا الحاشية التي صنعوها ويسمونها النخبة، بالولاء المطلق لهما بعد القضاء على الدولة والمؤسسات ليصبح كل ذلك مرتبط بالزعيم: انا الدولة والدولة هي انا، كما قال رمز الإستبداد لويس السادس عشر... ولكن لو قرأتم كتاب عبد الرحمن شقلم المعنون ب"شخصيات حول القذافي"، ستزول حيرتكم وستدركون  ان ما تعاني منه ليبيا الان والى وقت قد يطول  ليس سوى محصلة طبيعية لما جرى خلال اكثر من اربعين سنة من حكم القذافي، و من المسلمات ان الاستبداد يعمل على تحطيم قيم المجتمع و ينشر فيه جميع الامراض الاجتماعية لانه يفقده الحصانة ضدها ويفشي فيه نفاق السلطة وتملقها. وهو نفس ما نعيشه اليوم في الجبهة الشعبية تحت سياسة وتسيير اقدم رئيس في العالم...

كتاب شلقم يوضح لنا وبكل صراحة وباسلوب سلسل، كيف حكم القذافي ليبيا؟ وكيف كان يتعامل مع مواطنيه و"حكومته" وباقي العالم؟ . وانت تقرأه تتصور نفسك في الربوني واما سياسة قيادة الربوني وزعيمها الرئيس محمد عبد العزيز...

فكك القذافي، مثلما فعل محمد عبد العزيز، الدولة و الغى مؤسساتها وابتدع هياكل واسماء غريبة من وحي نظريته العبثية واسس ما اسماه الجماهيرية وفصّل لها مؤسسات جعلت من الدولة مسخا عجيبا فلاهي بمواصفات الدولة الحديثة ولا هي حافظت على شكل المجتمع التقليدي - ما قبل ظهور الدولة-  والغاية نفسه هو لا غير ... لقد شكل القذافي نمط حكم جديد فلا يمكن مثلا ان نكتفي بوصفه على انه مستبد فقد فاق المستبدين  استبدادا اذ تمكن من صوغ ليبيا كما يريد دون ان يضطر او يحتاج الى الحفاظ على شكل الدولة حتى. فاقهم حين قضى على خصومه على الطريقة الشكسبيرية لمحيشي وغيره او عبر احتفالات شعبوية فاشية، تماما مثلما فعل محمد عبد العزيز عبر الجلاد اسويد احمد ولد البلال ، وسجن الرشيد الرهيب .

كانت قمة العبث حين اعلن عن قيام سلطة الشعب ليحكم هو وحده ليبيا حسب مزاجه  العروبي تارة والافريقي تارة  اخرى او حين يتقمص دور المفكر والاديب  والفقيه  حينا او  المنظّر السياسي والاقتصادي حينا اخر، وهو نفس الدور الذي يقوم به رئيسنا معتمدا على القبلية والرشوة ونفاق النخبة المحيطة به...

ولكي يضمن الاستمرار في الحكم لجأ الى تفتيت الشعب  الصحراوي ووحدته الوطنية حيث وظّف العامل القبلي ابشع توظيف واستعمل دون حد الترغيب والترهيب مع دائرته المحيطة به والتي يختارها ممن يتوسم فيهم ان لا غاية لهم سوى ارضاء "القائد" مهما كان الثمن. يصنع "الحاكم الفرد" البيئة المحيطة به ويشكل اشخاصها كما يريد لكنه في غمرة  النشوة وقمة السطوة يفوته ان البيئة التي اعدها بنفسه والأشخاص الذين انتقاهم فردا فردا ليتحكم فيها وفيهم  صارت تتحكم هي وهم ايضا فيه بذات القدر او اكثر فمثلما يستعملهم كادوات في تثبيت حكمه هم كذلك يستعملونه لمصالحهم، فيرتبط المصير صعودا وسقوطا. وتصبح القيادة كلها فاسدة ومشتركة في الفساد ومصيرها واحد ليدافع كل واحد عن الآخر...

يقدم الكتاب " اشخاص حول القذافي" عشرات النماذج من موظفين اختاروا مصالحهم الشخصية على خيارات الوطن فباعوا انفسهم وشرفهم للديكتاتور  فكانوا ادواته التي حكم بها ليبيا كمزرعة خاصة له ولعائلته وابناء عمه. وهو نفس سياسة زعيمنا بالربوني، الذين عاملوا الصحراء وشعبها كبعض متاعهم المسروق من كدح وعرق ودم الشعب الصحراوي المجاهد...

ادرك القذافي طبيعة المحيطين به - الذين اختارهم بعناية – مثله مثل عبد العزيز فغض بصره عن فسادهم وتجاوزاتهم مقابل الولاء المطلق له، ومن خلال اعتماده عليهم حل الجيش والغى كل مؤسسات الدولة المعروفة وطقوسها فلا دستور ولا احزاب و لا برلمان ولا انتخابات و لا حكومة ولا موازنة و لا قانون...  لا شيء سوى العقيد ومهزلة مؤتمر الشعب الذي ينتج ويكرر ذات النماذج في حلقة مفرغة ودورة عبثية دفعت الليبيين في الاخير بعد اربعة عقود الى الخروج وتحدي كتائب الموت التي يتزعمها الابناء المدافعين عن ملكهم لا عن الدولة غير الموجودة اصلا. بينما ينظم محمد عبد العزيز مسرحية مؤتمر كل اربعة سنوات ليظل في السلطة هو وزوجته وحاشيته واقاربه بنفس الطريقة والسياسة التي حكم بها القذافي ليبيا...

ظن القذافي ان ثالوث الاستبداد و القبلية  والفساد  سيضمن له ولابنائه من بعده حكم ليبيا الى الابد نجح باللعب على هذه الحبال وتخطي كل الحدود والخروج عن كل مالوف في مراده اربعين سنة حول فيها ليبيا هو والعصابة المحيطة به الى لوحة سوريالية عملاقة. لكن الزّبد ومعاكسة التاريخ وقمع الشعوب لم يكن له ان يستمر. وهو نفس ظن محمد عبد العزيز والعصابة المحيطة به والتي تعيش على حساب معاناة دماء، ودموع وتضحيات هذا الشعب العظيم....

المحزن في كل هذه المأساة ان ليببيا دولة موجودة وعضو في الأمم الماحدة، بينما الصحراء الغربية ما زالت تبحث عن ابسط الحقوق المعترف بها دوليا وهي حق تقريرر المصير، بل هي مشروع دولة موجودة فوق التراب الجزائري، ومع هذا تعيش جو الاستبداد هذا الذي سيدفع بها نحو الانقراض...

المؤسف ان نموذج "نظام" القذافي يعتبره محمد عبد العزيز ومن معه قدوة، ويسير على  خطاه في اختيار القبلية بديلا للنظام السياسي والاعتماد على القبيلة في الاستمرار في الحكم. شعارهم في ذلك عكس شعار الشهيد الولي: لا وجود لغير القبلية ولا تنظيم الا التنظيم القبلي... ورغم ان العبرة من هكذا نظام ماثلة امام عينيه . لكن ما اكثر العبر وما اقل الاعتبار. والنصر للشعب الصحراوي...

Share Link: Share Link: Bookmark Google Yahoo MyWeb Digg Facebook Myspace Reddit