الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب (البوليساريو)..إلي أين؟ بقلم أبناي حسن طباعة
الأخبار - مشاركات


ستدعو الأمم المتحدة إلي جولة تفاوض جديدة (مباشرة أو غير مباشرة ) بين الدولة المغربية وجبهة البوليساريو، بهدف التوصل إلي حل للنزاع الدائر حول إقليم الصحراء الغربية، هذا فيما في لا تُنبئ كل المواقف المعلنة بإمكان الوصول إلي تسوية عبر المفاوضات. فالنظام المغربي مصر على تأكيد اعتبار مقترحه "للحكم الذاتي"(1 ) حدا أقصى لتنازلاته. و جبهة البوليساريو تعي أن قبولها بالمقترح سالف الذكر تنازل عن مطلب الاستقلال التام. أما النظام الجزائري الداعم الرئيسي للبوليساريو فلا يبدو متسرعا لإيجاد حل لنزاع الصحراء، فهو ينتشي بوخز النظام المغربي من جرح نازف في إطار صراع إقليمي بين النظامين.

الامبرياليات حريصة علي تفادي أي عودة لأجواء الحرب في منطقة قريبة من أوربا ومعبر هام للملاحة الدولية. فخطر الإرهاب الإسلامي و قوافل الهاربين من الجحيم الإفريقي وتهريبالأسلحة و المخدرات ستدق أبواب أوربا بقوة، لكن قلبها الطماع منقسم حول غريمين أساسين بالمنطقة (المغرب بعراقة تاريخية لنظامه السياسي في ارتباطه بالامبرياليات والجزائر باحتياطاتها المالية والطاقية الضخمة التي تسيل لعاب رأسمالية منخورة القوي تغرق في أزمة مالية وتخوض منافسة شرسة للتحكم في منابع الطاقة عالميا).
لا يبدو أن المفاوضات ستسفر عن حل، ولا يظهر في الأفق القريب إمكان أية تسوية ماعدا إذا حدثت تغيرات جذرية في صلب النظام المغربي أو النظام الجزائري أو تفككا متسارعا للبوليساريو أو دينامكية نضالية جماهيرية قوية بإقليم الصحراء الغربية.
سيواصل النظام المغربي التأكيد علي سعيه للوصول إلي حل سياسي عن طريق التفاوض، وسينشط سياسة احتوائية برشوة المستعدين لذلك بالمدن الصحراوية، بإعادة هيكلة "المجلس الاستشاري" حول الصحراء وإطلاق "جهوية واسعة"، والاستمرار في تأهيل المناطق الصحراوية، مراهنا على عامل الزمن: ازدياد يأس الناس في مخيمات اللجوء من التوصل إلي حل ينهي مأساتهم وضغطهم من أجل العودة إلي المدن ولو ضدا على القيادة، وبداية تفكك البوليساريو.
و تواصل جبهة البوليساريو موقفا انتظاريا، مراهنة علي تغيرات نوعية في زخم نضالات الصحراويين بالمدن واتساع رقعة التضامن الدولي الضاغط على الامبرياليات لتغيير موقفها الداعم للنظام المغربي.
المخاطر المحدقة بالمنطقة المغاربية؟
إن قضية الصحراء الغربية عامل أساسي في تحديد الوضع السياسي بالمغرب وكذا الوضع الإقليمي بالمغرب الكبير. .فباسم الصحراء يلف النظام المغربي إجماعا وطنيا بمعية أحزابه وسلما اجتماعيا بمعية البيروقراطيات النقابية. وباسم قضية الصحراء تمت إبادة اليسار الثوري في القرن الماضي، و باسم الصحراء يتم نسج العلاقات السرية والعلنية مع الكيان الصهيوني وتعميق التبعية للامبرياليات في إطار فتح الأسواق المحلية وتمليك القطاع العام للرأسمال العالمي...وباسم قضية الصحراء تعاق عملية توحيد السوق المغاربي في تعارض حتى مع مصالح برجوازية المنطقة. وتتم تغذية النعرة الشوفينية بين شعوب المنطقة التي سبق أن وحدها النضال ضد الاستعمار؛ فالتظاهرات ضد اغتيال المناضل العمالي التونسي "فرحات حشاد" فجرت نضالا شعبيا عارما بالمغرب، وتجربة القيادة المغاربية الموحدة لجيوش التحرير لازالت في الأذهان، و لجوء مناضلي الثورة الجزائرية إلى تونس والثوار المغاربة الي الجزائر وتهريب الأسلحة والدعم المالي بين ثوار الأقطار المغاربة مرتكز لإعادة إحياء النضال ذي الأفق المغاربي ، مع أن الثوريين الحاليين متأخرون عن ذلك.
إن صراع الصحراء يحبل بمخاطر الانزلاق إلى مواجهة إقليمية بين المغرب والجزائر بالرغم من حرص الامبرياليات علي الحيلولة دون حدوث ذلك، لكن لا يجب إسقاط هدا الاحتمال من الحساب. فالبلدين يشهدان سباقَ تسلحٍّ مخيفا وتحديثا للآلة العسكرية بشكل يثقل كاهل الميزانية العمومية، بالمقابل فمعضلات تلبية الحاجيات الاجتماعية منعدمة وتردي أوضاع الكادحين متفاقم. إن الادعاءات المنافقة للنظامين بحسن الجوار والروابط التاريخية يخفي استعدادا للحرب قد يجرف المنطقة ما لم تتهيأ شعوب المنطقة لوقفه وهو مهمة الثوريين بالدرجة الأولى.
البوليساريو ودوامة الأزمة:
مند تأسيس جبهة البوليساريو في 10ماي 1973 لم تمر هذه الحركة السياسية /المسلحة بأزمة تهددها بالتشظي كما هو حاصل اليوم، ماعدا ما شهدت مخيمات اللجوء سنة 1988 من انتفاضة جماهيرية مصدرها انقسام حاد في قيادة المنظمة، وضع كاد أن يدمر البوليساريو تدميرا ولم تتمكن الجبهة من إخماد لهيب الانتفاضة إلا بتدخل شرس لجيشها الشعبي. ومن النتائج المرة لذلك القمع، انكسار نفسي/معنوي لم تندمل جراحه إلى حدود اللحظة، ونزيف استسلام للنظام المغربي جر قسما من الأطر والقادة المؤسسين للبوليساريو. لكن الأزمة الراهنة أشد عمقا وتحبل بنتائج تهدد بهز جبهة البوليساريو هزا شديدا ستكون له تأثيرات نوعية على قضية الصحراء برمتها.
فما هي أوجه أزمة البوليساريو؟
بإعلان وقف إطلاق النار قبل 20 سنة وقبولها مخطط التسوية الأممية الذي يرمي إلي تنظيم استفتاء لتقرير المصير بإقليم الصحراء الغربية بإشراف من بعثة "المينورسو"، تكون البوليساريو دخلت في نفق مظلم تعرف بدايته وتجهل منعرجاته ونهايته. لقد انتهج النظام المغربي سياسة استنزاف معنوي شديدة الدهاء. فبعد مصادقته أمميا على مخطط التسوية والتأكيدات المستمرة بقبوله النتائج المتمخضة عنه، فقد صرح الحسن الثاني بالتزامن مع زيارته إلى لندن في يوليوز 1987 «عن استعداد المغرب لفتح سفارة في المدينة التي يختارها الصحراويون عاصمة لوطنهم في حالة ما إذا أفضى استفتاء تقرير المصير إلى استقلال الإقليم» (2). ناور بكل دهاء في التفاصيل الدقيقة لكن الحاسمة في تنزيل الاتفاق علي ارض الوقع: من يحق له من الصحراوين المشاركة في الاستفتاء. تطلب الأمر اقتراحا باعتماد لجان لتحديد الهوية وحسم اللوائح المتوافق عليها. ولترجيح كفته نقل النظام المغربي إلى الصحراء الآلاف من السكان موفرا إمكانات هائلة من الإعانات أغرتهم بالبقاء.

أصابت هذه المناورة مسلسل الاستفتاء بشلل تام، وسمحت للدولة المغربية بنهج سياسة فرض الحقائق على الأرض من خلال مجهود استثماري ضخم وسياسة إرشاء للصحراويين (عمليات تشغيل أهمها: توظيف 6000 شاب لما سمي بالأشبال – بطاقات الإنعاش [بطاقات تتيح دخلا شهريا] – أسعار مواد غذائية أساسية مخفضة الثمن – تمدن سريع للسكان – مناصب في المؤسسات للأعيان – غض الطرف عن عنجهيات خارقة للقانون – تمكين من فرص للنهب: الرمال والصيد والتهريب وإعفاء للشركات بتلك المناطق من الضرائب – بنيات تحتية هامة مقارنة بمناطق أخرى).
باعتلاء محمد السادس رئاسة الدولة المغربية، أحدث انقلابا نوعيا في مسار القضية الذي ابتدأ منذ سنة 1991 بإقرار مخطط الاستفتاء. فبلغة جازمة قرر من جانب واحد، أن إجراء الاستفتاء مستحيل التحقق وأن حل قضية الصحراء لا يمكن أن يتم إلا من خلال حل متفاوض عليه تماشيا مع إقرار الأمم المتحدة باستحالة إجراء الاستفتاء ودعوتها إلي البحث عن حل سياسي للخروج من المازق(3). في هذا السياق جاء  مقترح "الحكم الذاتي". المثير جدا في الأمر هو سهولة توغل البوليساريو في النفق المجهول وقبول الدخول في مفاوضات وفق منظور جديد يستبعد خيار الاستفتاء. هنا تفجرت أزمة البوليساريو المديدة ومتعددة الأوجه وأضحى مستقبلها السياسي محط سؤال.
البوليساريو : الأزمة سياسية
تعتبر جبهة البوليساريو نفسها الممثل الشرعي والوحيد لشعب الصحراء الغربية. فمنذ اتفاقية مدريد الثلاثية (اسبانيا وموريتانيا والمغرب) المنظمة للانسحاب الاسباني وتقسيم الصحراء بين موريتانيا والمغرب، اختارت البوليساريو الكفاح المسلح لنيل الاستقلال، وشعارات مؤتمراتها تعكس ذلك (بالبندقية ننال الحرية– حرب التحرير تضمنها الجماهير – لا استقرار ولا سلام قبل العودة و الاستقلال التام – كفاح مستمر لفرض الاستقلال الوطني والسلم – كل الوطن أو الشهادة...). وفي سياق وضع سياسي عالمي مُوات، حظيت الجبهة حتى نهاية الثمانينات بدعم دبلوماسي ومالي وعسكري قوي جدا من طرف كل من ليبيا وكوبا والجزائر و"المعسكر الشرقي". نالت اعتراف أزيد من 80 دولة بجمهوريتها المعلنة وقبلت عضوا بالاتحاد الإفريقي. حققت انتصارات عسكرية بارزة على الجيش الملكي. لكن مع نهاية الثمانينيات انقلب الوضع السياسي العالمي المواتي للبوليساريو إلى نقيضه، فقد غير معمر القدافي فرسه وقطع العون الهام عن البوليساريو وانخرط في اتفاقيات تعاون مع النظام المغربي وانكفأت كوبا لتداوي جراحها الناجمة عن الحصار الامبريالي وتفكك "المعسكر الشرقي" بالتدريج. في نفس السياق كان النظام الجزائري يغرق في أزمة تفجرت كحرب أهلية دامية وبقيت البوليساريو عرضت لرياح الصحراء الهوجاء.
كان لتحولات الوضع العالمي والإقليمي هذه ضغط على البوليساريو، التي وضعت كل بيضها في سلة الأمم المتحدة ناشرة أوهاما عن حياد ومصداقية هذه المنظمة ومقدسة للوائحها وقرارات أجهزتها وانخرطت في تكيف برنامجي وإعادة نظر في قاموسها الدعائي والتحريضي؛ فمن مفاهيم "الكفاح المسلح" و "حرب التحرير" و "الاستقلال أو الشهادة" تغير الأمر إلى لغة المواثيق الدولية والشرعية الدولية والقانون الدولي. وتنظيميا انكمشت جبهة البوليساريو مكتفية بعقد مؤتمرات فاقدة للحيوية السياسية وأجهزة قيادية رتيبة وجيش شعبي نالت منه 20 سنة من وقف إطلاق النار، فيما صعد نجم السفارات والوزارات وهي مجال خصب لحروب رخيصة بين الوصوليين استعملت فيه القبيلة والقرابة وكانت عنوانا للفساد مثبطا لهمم المناضلين.
في غضون 20 سنة المنصرمة بددت البوليساريو كل مكاسب الفترة السابقة؛ فالدول المعترفة بجمهوريتها تتساقط تباعا بسبب الرشاوى ودسائس النظام المغربي، والسيطرة الميدانية للجيش الشعبي انقلبت إلى ضدها، والاعتراف الشعبي بالبوليساريو كقائد شرعي ووحيد ترك المجال لتشكيك عميق وبروز حركة منتقدة واسعة تركز على انتقاد قرار وقف إطلاق النار وانعدام الديمقراطية ومظاهر الفساد المستشرية في صفوف القادة.
الاستثناء الوحيد في هذه اللوحة هو بروز حركة جنينية داعمة لاستقلال الإقليم في المدن الصحراوية والجامعات المغربية. هذه الحركة التي انطلقت سنة 2005 ذات طبيعة شبيبة بقيادة بعض المعتقلين السياسيين و الحقوقيين الصحراويين السابقين. لكنها بالرغم من الاستعمال الإعلامي للبوليساريو حركة لم تستطع آن تتخذ طابعا جماهيريا بفعل الوقع النفسي لبطش الحسن الثاني في فترة السبعينيات والثمانينيات وبداية التسعينيات، والقمع الانتقائي الراهن، إضافة إلى مفعول سياسة إرشاء قسم من الصحراويين، ما يجعل الانخراط في هذه الحركة خطرا يهدد بفقدان المكتسب خصوصا في سياق الأزمة المحبطة للبوليساريو وكونها لم تعد تغري بالتضحية بمكاسب أنانية وآنية لصالح خيار سياسي منهك القوى مهدد  بالسقوط.
بانصرام 6 سنوات على بداية ما سمي ب"انتفاضة الاستقلال" تدل كل المؤشرات أنها وصلت إلى أقصاها، وقد تكون متأثرة بطريقة التوجيه من طرف البوليساريو، فقد تحول قادتها من موجهين للحركة مكافحين من أجل توسيع رقعتها وحجمها إلى مركزين على الملتقيات الدولية والمؤتمرات العالمية بغاية التشهير بالقمع المغربي، لا عيب في الأمر ماعدا أن مقابله كان ضمور هذه الحركة وضعفها. وهذا لا يلغي بروز تحركات هنا أو هناك لكنها محدودة الانتشار وضعيفة النفس.(4)
لقد راهنت البوليساريو أن تشهيرها بقمع النظام المغربي "لانتفاضة الاستقلال" سيفرض على الأمم المتحدة أن تضيف إلي مهام بعثتها مراقبة أوضاع حقوق الإنسان بالمنطقة. ما سيشكل مكسبا تبرر به في أعين الجماهير الصحراوية نجاعة سياستها الخاطئة لمدة عشرين 20 سنة الماضية.
لفهم معنى ذلك علينا التذكير أن جبهة البوليساريو تعتبر النضالات المطالبة بالاستقلال بالمناطق الخاضعة للمغرب رأس الحربة الرئيسية للعمل السياسي مند وقف إطلاق النار، ومخرجا نزل من السماء أنقد البوليساريو من انتكاسة محققة. فما هي فاعلة ومسلسل المفاوضات عبثي مند 20 سنة، والنظام المغربي نجح لحدود الآن في استبعاد الاستفتاء؟ والى متى سيظل الناس في خلاء الصحراء دون أي حل في الأفق؟ إنها الطريق المحققة إلي التفكك. جاءت هده التحركات إذن منذ 2005 لتعطي أملا جديدا ورهانات جمة لقيادات البوليساريو، لكن عقبة القمع الشديد تحد من جماهيرية هذا النضال وطول نفسه. فأغلب المشاركين به قلة من الشباب الأشد جسارة وإقداما، أما الأجيال التي خبرت جبروت الحسن الثاني فمازلت متوارية. البوليساريو مقتنعة، وهي علي صواب، أن تراجع الرعب من قمع النظام سيعطي لتلك النضالات أبعادا جماهيرية غير مسبوقة وهذه غاية ومسعى الناشطين الصحراويين: السعي لأن تضطلع بعثة المينورسو بمتابعة وضعية حقوق الإنسان بالصحراء. وكل متتبع لبيانات البوليساريو وتصريحات النشاط الصحراويين بالداخل طيلة السنين الماضية سيلاحظ أنها متمحورة حول هدا المطلب.
النظام المغربي يرفض ذلك بقوة شديدة لوعيه بخطورة ما يعنيه ذلك من انفضاح لسياسته القمعية وتشهير بها، وفي الآن ذاته تحرير الصحراويين من عقبة القمع للتعبير عن رأيهم بصدد تواجد النظام المغربي بالصحراء، وهو أمر يبدو أنه مرفوض كمونا.
لقد حصدت قيادة البوليساريو الريح وارتطمت بحائط الأوهام الذي بنته، برهاناتها الساذجة حول حقيقة الأمم المتحدة و أدوارها. ففي عز أزمة طرد "أمنتو حيدر" صدر قرار مجلس الأمن رقم 1920 الذي كان طعنة من الطعنات التي ستتوالى علي البوليساريو. مما دفع الأمانة الوطنية للبوليساريو تحت وقع الارتباك إلى اتخاذ قرار أجوف لا معني له إلا باعتباره مناورة لامتصاص غضب القاعدة (5): إعادة النظر في العلاقة مع بعثة الأمم المتحدة بالصحراء، تلاها بعد أيام تأكيد صريح من طرف الأمين العام للجبهة، خلال زيارة الممثل الخاص للأمين العام المكلف ببعثة المينورسو للمخيمات، على الالتزام المستمر للبوليساريو في تعاونها بحسن نية مع الأمم المتحدة.
ستكون السنتان القادمتان حاسمتين لمستقبل البوليساريو وقضية الصحراء برمتها. يستحيل أن تستمر البوليساريو على الوضعية الحالية: اللاحرب و اللاسلم.
توجد جبهة البوليساريو أمام خيارين(6): إما إعلان قرارها رفض التعاون ما لم تستوف شروط تنظيم الاستفتاء بالصحراء، أو العودة إلى الكفاح المسلح. وهذا قرار متعذر على البوليساريو إلا بموافقة النظام
الجزائري، وإما أن تسير في طريق المفاوضات للوصول إلى حل غير الاستقلال وهو خيار لا يمكن أن تسلكه البوليساريو إلا بموافقة النظام الجزائري كذلك . لقد قررت البوليساريو عقد مؤتمرها في أواخر سنة 2011 فإذا لم تحدث تطورات متسارعة ونوعية داخل الجبهة، أو تغير في علاقة النظاميين المغربي والجزائري، سيكون مؤتمر الجبهة مؤتمرا حاسما في تقرير مآل البوليساريو وقضية الصحراء الغربية برمتها.
البوليساريو و مأزق الحل العسكري :
في بداية قتاله المسلح، كبد الجيش الشعبي هزائم نكراء للجيش الملكي رغم التعتيم الإعلامي في الفترات السابقة بلغ حد عدم اعتراف النظام المغربي بالجنود المعتقلين لدى البوليساريو إلا في السنين الأخيرة. فباستنادها إلي حرب العصابات والدراية العميقة بجغرافية الصحراء والقدرة على التأقلم مع ظروفها القاسية، والدعم القوي بالأسلحة والتأطير من طرف ليبيا وكوبا والجزائر و"المعسكر الشرقي"، والمعنويات العالية في القتال التي صاحبت الانطلاقة الأولى للكفاح المسلح، كل ذلك أثمر سيطرة البوليساريو على الغالبية العظمي من مساحة الصحراء الغربية مع مقدرة على تهديد مدنها الكبرى بالهجمات العسكرية و التغلغل في مناطق ليست في نطاق المتنازع عليه.
إلا أن الانقلاب في المعادلات العسكرية حدث ببناء الجيش الملكي للأحزمة العسكرية، التي يصل طولها الإجمالي إلي 2720 كلم، تحيط بزهاء 87.5 بالمائة من مساحة الصحراء الغربية. عدد الأحزمة ستة، أطولها الحزام الخامس بطول 670 كلم، وغايتها: منع اتصال المقاتلين بالصحراوين، حماية مناجم بوكراع والسواحل البحرية، خلق تماسك بين القوات لحماية بعضها البعض، تفويت عنصر المباغتة من هجمات حرب العصابات باستعمال وسائل المراقبة من رادارات وكلاب، عرقلة الاقتحام وربح الوقت للقيام بالرد المناسب، جهد كبير و تجنيد مستلزمات أكبر لجرف هده الدفاعات وبطاقات بشرية ومادية هائلة. الأحزمة مدعمة بأزيد من مئة وخمسين ألف جندي و سبعة أحزمة رملية بعلو ثلاثة أمتار للواحد، مدعمة من الخلف بالدبابات و المدفعية والرادارات و أسلاك شائكة وحقول ألغام وأحزمة رملية وأخرى حجرية وخنادق وحواجز أخرى. على هذا النحو جرى حشر البوليساريو في بعض الجيوب الهامشية من إقليم الصحراء، وأضحت مناطق المُنازلة العسكرية بعيدة عن المدن. هذا المعطى العسكري هو ما يفسر تحكم النظام المغربي في أوراق القضية، فمن السعي إلى التقاط أنفاسه بقبوله بالاستفتاء انتقل إلى المناورة وربح الوقت، إلى رفض أي حل لا يمر عبر المفاوضات وفق شعاره: المغرب في أرضه لا داعي للسرعة. أما التكلفة المالية لأزيد من 160.000 جندي وسباق التسلح والصيانة فيبدو أنها كلفة قابلة للتحمل.
لقد نالت 20 سنة من وقف إطلاق النار من الجيش الشعبي للبوليساريو، فقد تقلصت أعداده وغادرته الكوادر المجربة وأحبطت معنوياته، فالجيوش الشعبية ليست كالجيوش النظامية فإذا لم تشحذ في المعارك تكون عرضة للصدأ وهذا هو حال جيش البوليساريو.
فكيف بمقدور البوليساريو انتزاع تنازلات حقيقية في سياق تآكل الأداة الممكن إشهارها واستعمالها إن دعت الضرورة؟
البوليساريو : أزمة معنوية /نفسية حادة.
في أواسط السبعينات تأسست جبهة البوليساريو من قبل شباب بمعدلات عمرية تقل عن ثلاثة عقود، إضافة إلى بعض المناضلين ضد الاستعمار الاسباني من مقاتلي جيش التحرير، وبعض المنتسبين إلى المنظمة     الطليعية التي أسسها محمد بصيري.
في سياق زخم عالمي لحركات التحرر الوطني وتجذر شبيبي ومد يساري مخيم على العالم، انطلقت شرارة الكفاح بتوجيه الضربات للمستعمر الاسباني، مما سرع مغادرته المنطقة مع المناورة لتأمين مصالحه من ثروات المنطقة (فوسفاط وصيد بحري)، وكذا للنظام الموريتاني الطامح إلى نيل حصته من الإقليم، وللنظام المغربي الساعي لضم الإقليم. ارتكبت البوليساريو خطأها القاتل باللجوء إلى خارج المدن وتشجيع المدنيين على المغادرة باستعمال المخاوف من قمع ناتج عن انتشار القوات المغربية للصحراويين كذريعة. هذا الخيار كلف البوليساريو غاليا، أن تكون أرض دولة أخرى قاعدة رئيسية للمعركة أفقدها التحكم في القرار السياسي، وأفقدها في الآن نفسه حضنا هاما أي الجماهير الصحراوية بالمدن. رغم مكاسب البداية المتمثلة في الانسحاب الاسباني وتخلي موريتانيا عن أية مطامع بالإقليم وفق معاهدة الجزائر الموقعة بين الطرفين. إلا أن ذلك لم يلغ المأزق: سعي إلى انتزاع الاستقلال بالكفاح المسلح بالاتكاء على دعم قوى إقليمية قد تساوم بالصحراويين في أية لحظة وفقدان قاعدة ارتكاز مأمونة، الارتباط بجماهير المدن الصحراوية .
أغلب سكان مخيمات اللجوء شباب متعلم، أعداد هامة استفادت من منح دراسية بدول مختلفة (الجزائر، ليبيا و كوبا...)، وأعداد هامة تعيش بالمخيمات وحلمها الحصول على فرصة السفر للعمل بالخارج. يتعرض الشباب لضغط رهيب بسبب انعدام أية آفاق مستقبلية ولا مجالات للتعبير عن تطلعاته في ظل ظروف طبيعية قاسية جدا صيفا وشتاء وبوسائل عيش بئيسة، و انتظار المساعدات الدولية. هذا الوضع جعل العديد من الأطر تفضل عدم العودة للاستقرار بالمخيمات بسبب شح الموارد وانعدام مجالات توفير العيش باستثناء المساعدات الدولية التي تشرف البوليساريو على توزيعها من خلال الهلال الأحمر الصحراوي، أو وظائف الدولة خصوصا البعثات الدبلوماسية. لتبقى الهجرة كمتنفس اقتصادي وحيد. هذه المجالات الثلاثة كانت مبعثا للتذمر والسخط، وهي معاول تفتك يوما بيوم بمعنويات السكان، ودرجة صمودهم في تحمل العيش في مخيمات تنعدم فيها ادني شروط العيش، وتؤثر حتى على مواصلة الاعتراف بالبوليساريو قيادة وحيدة وشرعية. فمظاهر الفساد ونشاط التهريب والاغتناء الظاهر على بعض القادة وطرق التعيين في المسؤوليات بتوظيف الوساطة القبلية وغياب معايير الكفاءة، وحرية التنقل والسفر المحدودة جدا في منطقة مغلقة أرضا ومفتوحة فضائيا بقنوات التلفزيون.
هذا الوضع يجعل البوليساريو فوق برميل بارود حقيقي مهدد بالانفجار في أية لحظة. أن تعرف المخيمات تحركات جماهيرية على شاكلة أحداث 1988 أو أكثر أمر وارد بقوة، يقويه انسداد الآفاق السياسية.
البوليساريو إلي أين ؟
يضع التاريخ أحيانا قيادة سياسية في وضع غاية التعقيد، يكون فيه رسم خطة واضحة مستحيلا ، والتنبؤ باحتمالات المستقبل في غاية الصعوبة، في هذه المنعرجات تبرز حنكة ورباطة جأش القيادة وشجاعتها و قدرتها على التحمل ومقاومة التشظي في انتظار أية بارقة أمل للانفكاك من كماشة الاندثار، هذا ما حصل مع الثورة الروسية في مفاوضات بريست ليتوفسك. البوليساريو في وضع شبيه، فهي بين حدين متناقضين العودة إلى الكفاح المسلح سردنا صعوباته ومآزقه، والسعي للتوصل إلي حل عبر المفاوضات مع الدولة المغربية يتطلب تنازلات من قبلها. أما وضع اللاسلم واللاحرب فنتيجته تفكك مضمون للبوليساريو.
قيادة البوليساريو عليها مسؤولية تاريخية جسيمة في الحسم في الخيارات المستقبلية، لكن المنطلق والمنتهى، واجب بسط الحقائق للجماهير وحقها في تقرير مصيرها. أما أي ميل لجعل الجماهير قاعدة للمناورة وقناة لتمرير تفاهمات الدهاليز سيحكم عليها التاريخ في مصاف الخيانة. وكل إخضاع لمصالح    الجماهير لأجندة خارجية حتى ولو كانت صديقة ستذكرها الأجيال كعمالة.
فكيف ستتصرف البوليساريو؟ السنة القادمة حاسمة في الجواب عن هذا السؤال.

Share Link: Share Link: Bookmark Google Yahoo MyWeb Digg Facebook Myspace Reddit