البوليساريو... إنتظار المجهول. بقلم: محمد سالم لبيهي. طباعة
الأخبار - مشاركات

بعد أشهر من الاضطرابات التي هزَّت جل الدول العربية وأدت إلى سقوط رموز كبيرة من قادة هذه البلاد وتخليها عن السلطة، تم تشكيل حكومات انتقالية وإطلاق جملة من الإصلاحات والسياسية والدستورية في هذه الدول لازال دار لقمان على حالها في البوليساريو. إن القطيعة مع إرث ستة وثلاثين سنة من الانتهاكات التي اقتُرفت، في ظل حكومة الرابوني، تتطلب رؤية وعزماً وتدابير فعالة من جانب ألراءي العام الصحراوي. فعلى مدى سنين تحمَّل الصحراويون الكثير من النكث بالوعود والمباديء وفقدوا الثقة في مؤسسات لم تنشا إلا للمصلحة الخاصة لإفراد محدودين. وقد أظهر الصحراويون أنهم لن يرتضوا بإصلاحات تجميلية في حكومة ولد عبد العزيز ولا وعود بتحقيق النصر على المغرب ولا خطب تتحدث عن دماء الشهداء والإخلاص والوفاء لعهد من سقطوا دفاعاً عن الصحراء، وإنما يريدون تغييرات جريئة وبعيدة الأثر تطرح سؤال جوهري وواضح : الى متى ؟ ومن المستفيد من هذا الوضع ؟

ويتعين على مسئولي البوليساريو الاعتراف بأنه لا يجوز تأجيل إحقاق حقوق أمة بأكملها إلى حين يموت أولاء القادة ويورثون أبنائهم أو زوجاتهم في نفس المناصب!؟ بل إن التغيرات الأخيرة التي تسارعت منذ أحداث (كديم ازيك) وما تلاها من سكوت قادة البوليساريو وتسريبات المفاوضات التي نطلع عليها من هنا وهناك وخصوصاً ما يكتب في الصحافة الأمريكية بمثابة إعلان واضح وجلي لكل الصحراويين أينما وجيدو بأن قادة ومسئولي البوليساريو يسيرون نحو التخلي عن الهدف الذي قامت من أجله البوليساريو وهو استقلال الساقية الحمراء ووادي الذهب، وكأن كل الصحراويين سذج بدرجة ينطلي عليهم مثل هذا التحرك.
في هذه اللحظة الحاسمة يجب على كل الصحراويين أن يمسكوا بزمام أمورهم وان يختاروا بين المضيء قدما نحو المجهول او اختيار طريق أخر.
والمجهول يعنى الشتات والضياع المتمثل في بقائهم لعبة في يد مجموعة قليلة من الأشخاص الذين يبيعون عرقهم ودمائهم في أسواق اسبانيا وأمام المحافل الدولية، ولا يهتمون بأي مبدءا من مبادئ الثورة، ولا يأبهون للواقع الذي تعيشه ساكنة المخيمات، الذي صار لا يطاق في السنوات الأخيرة مع ارتفاع تكلفة الحياة ونضوب المساعدات الإنسانية.
أما الخيار الثاني فهو الطريق الصحيح، طريق نحو الأخذ بالمبادرة وتحديد المصير لكل صحراوي، لا أتقيد بالذهاب للمناطق أو مسار العودة للوطن، فهذا طريق له أصحابه، فهناك اسبانيا وموريتان، لكن أهم مكان وانسبه هو مثلث الوطن، (التفاريتي، بنر تغسيت، امهيريز) هذه أرضنا وماءنا وهواءنا ، يمكن للجميع أن يتعايش فيها بدون تمييز وبلا ارتباطات سياسية إلا وطن واحد أسمه الصحراء.
إذا كان الشتات هو مصير الصحراويين فلنتشتت في أرضنا ولنمت على ترابنا، هذه الوديان والهضاب تحن ألينا، فلنعمرها نحييها، نزرعها، وننشئ قرى ومداشر ولو من الطين في أرضنا بدل من أن نتعب ونشقى في تعمير (حمادا) هجرها أهلها من شدة الحر والبرد.
اعتقد أنه أن الأوان لكي تنطق قيادة البوليساريو وتفصح عن خبايا هذه المفاوضات، التي طال أمدها وجهل محتواها،
ويجب أن تبدءا مرحلة جديدة من النقاشات الجادة في هذه القضية، بعد أن انهمك قادة البوليساريو في مصالحهم الشخصية وتناسوا مصير هذا الشعب الذي جأووا به من دياره وتركوه في عراء (لحمادا) يقاسي الحر والبرد والتهميش في وضعية لا يعلم نهايتها إلا القدير الجليل، استغنى القادة من المساعدات الإنسانية، وتربى أبنائهم في اسبانيا وفرنسا على حساب المنظمةـ، وتقاسموا هذه الكعكة الدسمة بعيداً عن أي مسألة وخارج عن كل  عقاب، وبقى الشعب صامتاً ينتظر الفرج من السماء.
إن الاعتراف بحجم الحقيقة لا يقدر بقيمة إذا عرفنا أن شعبا بأكمله يعاني وينتظر، في ارض قفراء يعيش فيها على المساعدات بعيداً كل البعد عن العيش الطبيعي، هذه الحقيقة تقض مضاجع قادة البوليساريو فيلجاوون إلى التسويف والتحريف والأماني، (سوف ننتصر قريبا على المستعمر، وتمثيليات الخيانة العظمى في ملف مصطفى سلمى وغيره، والأماني الخداعة بتحسين ظروف المخيمات وزيادة أجور المقاتلين والطرق المعبدة والجولات في الخارج) هذا جزء من سلسلة لا تنتهي من الأساليب القديمة والمثقلة بالفجوات التي تنتهجها قيادة البوليساريو من فترة لأخرى في سبيل إطالة بقاء اللاجئين، ولاسيما إذا عرفنا أن مصير هذه القيادة مرتبط ارتباط كلي بالقيمة التي تجنى من صور اللاجئين ومعاناتهم في المخيمات، فالعواصف والفيضانات والسيول وحتى الأوبئة، كل هذه الكوارث فوائد على قادة البوليساريو فمصائب قوم عند قوم فوائدُ.
بيد أن ثمة ضرورة لاتخاذ مزيد من الإجراءات، فالواقع صعب في المخيمات وهناك أكثر من ثلثين من ساكنة المخيم لا حول لهم ولا قوة، وليس بمقدورهم التحرك في أي اتجاه، وهناك فئة كبيرة تحترم العهد الذي جاءت من اجله وتستحي من أن تترك هذه الفئات ضحية.
ويتعين على قيادة الرابون أن تسارع في الإصلاحات، قبل أن يفوت الأوان، يجب احترام حرية التعبير والخلاف السياسي وحرية التجمع وتأسيس الجمعيات والأحزاب والتكتلات السياسية، مع العلم أن حركة خط الشهيد مازالت ممنوعة في المخيمات، ويجب وضع حد للإفلات من القانون بخصوص القادة والمسئولين المتهمين في جنايات وقضايا التعذيب وسرقة المال العام، أما حرية الصحافة والإعلام فهذه عوالم لم يسمع بها قادة البوليساريو الا في انتقاد العدو، ويجب إعطاء الأولوية لتحقيق التكامل في الحقوق الاجتماعية والسياسية والنفعية فكل الصحراويين معنيين بالإمكانيات ووسائل الدعم وكلهم يستحقوا أن يقضوا عطل الصيف في الخارج وان يتمدرس أبنائهم في الكليات الأوروبية.
وأخيرا يجب قراءة الأحداث قراءة واعية ومتبصرة، فقضية الصحراء قضية لكل الصحراويين ويجب أن يحدد الصحراويين اتجاه هذه القضية، ونحن نعلم إن الأمر ألان بيد جماعة قليلة أكثرهم لا تعني له الصحراء أي شي بحكم جنسيته الجزائرية أو الأوروبية، وقد نشرت أحد الصحف الأمريكية مقال عن المفاوضات بين البوليساريو والمغرب بعنوان " أمريكي وكندي وجزائري يحددون مصير الصحراء في المفوضات الجارية بين المغرب والبوليساريو" وهذه إشارة واضحة إلى أن أكثر دبلوماسيي* البوليساريو يحملون جنسيات أجنبية، إذا مصيرنا بأيدي أشخاص لا تعني لهم الساقية الحمراء ووادي الذهب أية قيمة.
أربع عقود والصراع يزداد تعقيداً والحل يبتعد، والأمل مزال خيطاً رفيعاً، وقادة البوليساريو ساهون منهمكون في مشاكلهم، والشعب ينتظر.
فالي متى الانتــــظار؟
العيون في 25 مارس 2011م

 

 

 

Share Link: Share Link: Bookmark Google Yahoo MyWeb Digg Facebook Myspace Reddit