بقلم:المصطفى عبد الدائم
إن أول ما يثير انتباه قارئ الدستور الصحراوي هو اللغة التي اعتمدها، وهي لغة أقل ما يمكن أن يقال عنها، أنها لغة غريبة عن المعتاد في النصوص الدستورية، ووجه الغرابة فيها ابتعادها عن الطابع التقريري الصارم المطلوب عادة في بناء النصوص الدستورية التي تأخذ بعين الاعتبار دقة وقوة المصطلحات القانونية والسياسية، والحرص على دلالاتها من حيث الاشارة او التجريد او غير ذلك مما يجب ان تحصن به القاعدة القانونية المعتمدة. وهكذا فإن القاموس المعتمد في الدستور الصحراوي يوظف لغة أقرب إلى لغة " البيانات السياسية " كما هو الحال في ديباجته:
(ن الشعب الصحراوي، العربي الأفريقي المسلم، الذي قرر الشروع في حربه التحريرية سنة 1973، بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، بهدف تحرير الوطن من الاستعمار - ومن الاحتلال لاحقا - مواصلا بذلك مقاومة طويلة لم تتوقف عبر التاريخ دفاعا عن حريته وكرامته، ليعلن: - عزمه على مواصلة الكفاح من اجل استكمال سيادة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية على كامل التراب الوطني، وفرض الاستقلال التام. - تمسكه بمبادئ العدل والديمقراطية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10 / 12 / 1948 وفي الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الصادر بتاريخ 28/ 06/1981 وفي الاتفاقيات الدولية التي وافقت عليها الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. - إيمانه بان حرية وكرامة الإنسان غير ممكنة إلا في ظل مجتمع يكرس سيادة القانون ويخلق الظروف الملائمة للنمو الاجتماعي بما يتلاءم وقيمه وحضارته وثقافته الوطنية ودينه الحنيف ومتطلبات العالم الحديث. - تصميمه على بناء المؤسسات الديمقراطية التي تضمن الحريات والحقوق الأساسية للإنسان، والحريات السياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والحقوق المتعلقة بالأسرة باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع. وعيه بضرورة الالتزام بالعمل على بناء المغرب العربي الكبير وتجسيد وحدة الجهود الأفريقية ووحدة الأمة العربية وإقامة علاقات دولية على أساس التعاون والوئام والاحترام المتبادل وتحقيق السلم في العالم)
إن ديباجة الدستور الصحراوي، ونتيجة للرغبة الشديدة لإرضاء الجميع، وخوفا أن يفضح نص الدستور منطلقا ايديولوجيا واضحا، فقد حرصت هذه الديباجة باعتبارها تصديرا للدستور على العمومية بما يخدم التغطية على انتفاء الهوية الايديولوجية من جهة ، ومن جهة أخرى التيهان المتعمد وسط سيل من المفاهيم المغرية.. هذه المفاهيم والتي رغم عالميتها وما تحمله من معالم الإيجابية في التصدير ، إلا أنها لا تستطيع الصمود أمام بناء دستوري يكشف عن نفسه ولو من خلال لغة " مشوشة "، هدفه الأساسي هو تمكين الحاكم / الرئيس من سلطات واسعة تضمن إطلاق يده في كل كبيرة وصغيرة، ومن تم التحكم التام والشامل في شؤون " الثورة والدولة " وأمثلة ذلك مايلي:
المادة (52): الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، هو رئيس الدولة، يتم انتخابه عن طريق المؤتمر العام للجبهة بواسطة الاقتراع السري والمباشر. المادة. (53): رئيس الدولة ينسق السياسة العامة ويدافع عن احترام الدستور ويسهر على تطبيق القانون وإرساء وتطوير مؤسسات الدولة المادة. المادة (54): رئيس الدولة يعين الوزير الأول وينهي مهامها المادة. المادة (55): رئيس الدولة يرأس مجلس الوزراء. المادة (56): رئيس الدولة يوقع القوانين التي تنشر باسمه فور مصا دقة المجلس الوطني عليها. المادة (57): يضطلع رئيس الدولة بالمهام والصلاحيات الآتية: - هو القائد الأعلى للقوات المسلحة . - يوجه السياسة الخارجية ويقر خططها . - يمنح العفو ويخفض العقوبات. - يتلقى أوراق اعتماد السفراء الأجانب. - يقلد الأوسمة ويمنح الألقاب الشرفية . المادة (58): يعين رئيس الدولة في المهام والوظائف التالية: - الوظائف المدنية والعسكرية في الدولة . - يعين السفراء ورؤساء البعثات بالخارج - التعيينات التي تتم في مجلس الوزراء . - التعيينات في المؤسسة العسكرية . – الولاة. - الموظفون السامون في القضاء . - مسؤولي أجهزة الأمن.
إن الدستور الصحراوي على هذا الأساس يناقض كليا جوهر الدساتير الحديثة التي تقوم أساسا على ضمان الحماية الكاملة للشعب/ المحكومين، لإنه دستور يلغي بشكل متعمد تلك الحدود الإجبارية التي تحرص الدساتير الحديثة على تثبيتها بين الحاكم / والمحكومين، ويلجأ للتغاضي عن إقامة هذه الحدود الإجبارية إلى ملء الدستور بعديد المواد التي توحي في ظاهرها بغير ما يقصد بها في حقيقتها (مثال المادة 08 من الدستور – السيادة ملك للشعب وهو مصدر كل سلطة. والمادة 13 تستمد الدولة شرعيتها من إرادة الشعب وهي في خدمته وحده)، إنها مواد " جوفاء " تبطل مفعولها السلطات والصلاحيات التي منحها الحاكم لنفسه " أنظر المواد الخاصة بالرئيس أعلاه "، والمثال الواضح عن وجود مواد فارغة المضمون في الدستور الصحراوي المادة (25): ( يتمتع كل مواطن صحراوي بالحقوق والحريات المعترف بها والمكفولة في الدستور دون أي تمييز خاصة إذا كان قائما على العنصر أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي). فهل سمعتم عن مواطن صحراوي عبر عن ( رأي سياسي أو أي رأي ) ولم تصدر في حقه ( عقوبة من نوع ما: اعتقال أو طرد أو إبعاد أو تخوين أو... ؟؟؟). ثم لنقرأ المادة (58) الواردة أعلاه، ولنقارنها بالمادة (34) والتي تقول: (يحق لكل مواطن ان يتقدم للمناصب العمومية وفقا للمقاييس التي يحددها القانون) ماهي هذه المقاييس ؟ وهل حددها القانون ؟ وهل هي التي خضع لها كل الذين " نصبوا أنفسهم في وظائف سامية " منذ 1988؟.
ولعل أهم الخلاصات التي تبرز استغلال النص الدستوري للغة " التشهير والشعارات "، بدل لغة "القانون" ندرج المادة 19 من الدستور الصحراوي والتي ورد فيها : لا يمكن ان تكون الوظائف في مؤسسات الدولة مصدرا للثراء ولا وسيلة لخدمة المصالح الخاصة أو مصالح مجموعة ضيقة قائمة على أساس الجهوية أو المحسوبية أو القبلية. وكلمة لا يمكن لا تحتمل الجزاء أي أنها فارغة قانونا لأنها لن لا تدين، وبالتالي لا تعاقب كل من " جعل " الوظائف مصدر للثراء او خدمة مصالح خاصة او مصالح الخ.... لماذا لأنه لغة كلمة (لا يمكن) تحمل في ذاتها معنى الاستحالة = عدم الإمكانية. كما ندرج المادة (31): حق إنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية معترف به ومضمون فيما بعد الاستقلال• والحال أن الجمعيات (الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة المرتكبة من طرف الدولة المغربية، وتجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الانسان، وجمعية الحقوقيين الصحراويين، وجمعية عائلات المفقودين والمعتقلين الصحراويين وووو) كلها جمعيات غير معترف بها، وهذا يِؤكد لغة الارتباك الطاغية أيضا على النص الدستوري الصحراوي الذي يمنح باليمنى ما ينزع باليسرى فمثلا في المادة (30): حرية التعبير شفويا وكتابيا مضمونة وتمارس طبقا للقانون، ولكل مواطن الحق في الحصول على المعلومات. وعليه فالمواطن الصحراوي يحق له أن يعبر بحرية كتابيا وشفويا، ولكن عندما يتعلق الأمر بتأسيس جمعية فالمسألة معلقة إلى ما بعد الاستقلال، بمعنى أن التعبير الجماعي والمنظم ممنوع إلى أجل مسمى.
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة