مرة أخرى تهتز المؤسسة العسكرية على وقع فضيحة تجتاج الشارع الصحراوي وتحرك هدؤه الرتيب، إهمال طبي يؤدي بحياة جندي كان في مقر عمله قبل أن تعجز ناحيته عن إسعافه لغياب السيارة التابعة للصحة العسكرية والخاصة بنقل المرضى، رحل الجندي الشهيد عمار ولد عناي إلى دار الخلد في ظل غياب أي ردة فعل بسيطة ولو من قبيل تقديم التعازي لأهله من قبل قيادات الناحية التي كان يتبع لها، فيما يستمر صمت القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الدولة حتى اللحظة تماما مثلما غابت ردة فعله في فضيحة فرار الموقوفين الــ 19 الحاملين للجنسية المغربية بتهمة تهريب المخدرات والذين فروا من داخل سجنهم بالناحية العسكرية التي يطلق عليها قلب جيش التحرير الصحراوي.
رحيل المقاتل الشهيد عمار ولد عناي سلط الضوء على عالمين متناقضين، عالم القادة العسكريين الذين يعيشون في فيلاتهم ومنازلهم المكيفة بتندوف الجزائرية وبلاد الباسك الاسباني، وعالم الجنود الذين لايجدون حتى سيارة اسعاف تقلهم عند الضرورة، أي عالم القادة الذين يزورون نواحيهم للسياحة والاستمتاع بالطبيعة وزيارة إبل الناحية التي هي بمثابة محمية خاصة تتبع للقائد، وعالم الجنود البسطاء الذين لايعرفون الا وجبات الحبوب كطبق رئيسي في ظل حالة السرية التي تحيط بواقع المؤسسة العسكرية بحجة أنها مؤسسة سيادية، لكن تناسى قادتنا أن المؤسسات السيادية لها الاولوية في الميزنيات ولا يسمح لمنتسبيها بالبقاء دون رعاية صحية، وعند مرضهم يجب ان توفر لهم على الاقل سيارات اسعاف لتقلهم لذويهم ان اقتضت الضرورة، لكن مادام أن القادة تركوا الجنود لحالهم ففي هذه الحالة يصبح وصف المؤسسة بالسيادية في خبر كان، وعلى الجميع ان ينتقد تصرف القادة العسكريين مثلما يتم انتقاد القادة المدنيين لأنه لافرق بين “هنتات” بزي مدني و “هنتات” ببدلة عسكرية.
فضائح المؤسسة العسكرية تبدو وكأنها تطوق الرئيس وتقف حجرة عثرة في سبيل ماروج له الرجل نفسه من وضع الجيش في أولى أولوياته لضمان هيبة الدولة وحماية مكتسبات الحركة، غير أن غياب ردة فعل ملموسة ولو بتغيير المسؤولين عن كل القصور الذي حدث ومس بسمعة الجيش، أظهرت للشارع الصحراوي شساعة الهوة بين خطابات الرئيس وأفعاله على أرض الواقع .
تردد الرئيس في فرض هيبة الدولة على الجميع وفشله في إحداث نقلة نوعية داخل الجيش الصحراوي سينعكسان لامحالة على سمعة الرجل التي بدأت تتاكل في نظر كثيرين ، ومع كل فضيحة تمر بلا عقاب يصبح الرئيس محل إنتقادات واسعة سيما وأنه جاء إلى الحكم بشعار رجل المرحلة والإجماع القيادي والشعبي ، وأطلق هو نفسه سيلا من التصريحات غير المعتادة في وصف حالنا ، لكن يبدو أن بريق الشهرة بدأ يأخذ من سمعة الرجل الذي يجول العالم في رحلات أقرب للسياحة متناسيا الوضع الداخلي بما فيه وضع المؤسسة العسكرية.
غياب جدية لدى الرئيس في علاج فضائح المؤسسة العسكرية هو دليل واضح ان الرجل لايملك النية في وضع تصور حقيقي لعلاج زمن “أطليسة” وان حزب “الهنتات” حاز على ثقة الرجل الذي جاء لمعالجة كل الاختلالات السابقة.
في سنة انتخابية بامتياز سيسعى الرئيس وقيادات أخرى بدأت تغير ملابسها من الدبلوماسية إلى الزي العسكري، وسيسمع الجيش الكثير من المدح والثناء إعلاميا، لكن مرضاه من الجنود سيظلون يتألمون ويرحلون بصمت وحدهم في نواحيهم العسكرية، في وقت يريد فيه النظام الصحراوي لمقاتلي المؤوسسة العسكرية أن يكونوا وعاءا انتخابيا تزين به المؤتمرات قبل أن يرميه قادته والسياسيين إلى قاع الاهتمامات في انتظار مسرحية جديدة.
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة