قبل سنوات اصدر ضابط متقاعد من جيش الاحتلال المغربي كتابا باللغة الفرنسية بعنوان “ضباط صاحب الجلالة ” ، في اهداء الكتاب الذي أحدث ضجة حينها يقول المدعو محجوب الطوبجي مؤلف الكتاب، انه يهدي كتابه لكل الضباط الذين تحملوا عناء المعاملات السيئة والأجور الهزيلة وظلوا يزاولون مهنتهم بكرامة وشرف، وفصل الكتاب حينها صراعات كبار ضباط المخزن و مراكمتهم للثروة على حساب صغار الضباط وكذا الجنود الذين تم رميهم في خنادق بجدار الذل والعار يواجهون حرب إستنزاف طويلة قادها مقاتلو جيش التحرير الشعبي الصحراوي.
حمل الكتاب تفاصيل عديدة وكثيرة عن سير كبار عساكر المخزن من اوفقير وادليمي الى عبد العزيز بناني ثم أخرهم حسني بن سليمان، بحسب الضابط المغربي فان الكثير من هؤلاء الضباط لعبت الاقدار ويد الملك الحسن الثاني الكثير في التمكين لهم، مثلا حسني بن سليمان تربع على عرش الجيش من داخل شبكة حراسة مرمى نادي الجيش الملكي، قبل ان يتحول الى ضابط ثم يتدرج في المناصب الأمنية الى رتب اضحى معها بن سليمان شخصية قوية تؤثر في كل المواقف الأمنية والإقتصادية وحتى السياسية بالمملكة، إلى أن اقعده الكبر...
تكاد سيرة الكثير من قادة الجيش الصحراوي الحاليين تتشابه مع ما حمله الكتاب، في ان الحظ ، والذي يعرف عندنا هنا بالقبلية، لعب دورا كبيرا في تقلد العديد منهم رتب عسكرية عالية، خصوصا ما يسميهم المقاتلون اليوم جنرالات وقف إطلاق النار، والذين تم تعيينهم على أساس قبلي من طرف زوجة الرئيس السابق، ومعظمهم لم يطلقوا ولا رصاصة واحدة خلال معارك حرب التحرير، ولكنها القبلية ودولة القبيلة. تدعم القبلية لاحقا بتوريط الجيش في السياسة من خلال تواجد قادة عسكريين في عضوية أمانة الجبهة، خصوصا بعد أحداث الصراع على السلطة سنة 1988، بل و الاعتقاد ان عضوية امانة الجبهة تخولك قيادة احدى النواحي العسكرية بالضرورة ، وهنا مربط الغرابة اذ انه ومن بين كل جيوش العالم مع احترافيتها ينفرد الجيش الصحراوي بخاصية ان الانتخاب في محفل سياسي، منطلقه الإنتخابي قبلي بإمتياز، يضمن لك مقعد عسكري حتى و إن لم تكن على علاقة بالجيش ولم تتدرج فيه تدرجا منطقيا بحكم سنوات الخبرة والتجربة او التكوين العسكري. فاكبر ظابط صحراوي يحمل اكبر الشهادات الأكاديمية مع الخبرة القتالية، هو الطالب حيدار، ويوجد على الهامش لأنه ليس من قبيلة الدولة، بل لأن امه ماه في الخيمة.. في الوقت الذي نجد فيه بعد الحثالات الذين لا مستوى لهم، يتقلدون مناصب عليا في الجيش على اساس قبلي محض...
ليس جديدا القول ان اغلب القيادات العسكرية الحالية هي بخلفيات قبلية وأمنية بحتة ومع ذلك لم ينفع حسها الامني ولا القبلي في تفادي بعض الزلات التي لاتغتفر ورط فيها البعض مؤسسة الجيش ، لعل اخرها ماحدث في الناحية العسكرية الثانية مستغلين الظروف المناخية واحيانا الثقة المفرطة للبعض في أن الأسير يمكنه ان يتأقلم مع سجنه، فرت مجموعة الــ 19 من حاملي الجنسية المغربية الذين كانوا في سجن مدرسة، فروا بحثا عن الحرية التي ينشدها الكل مهما كانت طيبة السجان، خلفت العملية الكثير من ردود الافعال الشعبية الساخطة، و الرسمية التي امسكت على مضض ولم تجد سوى في القبض على بعض الفارين بلسما لما اصابها من خرس.
بطريقة التورية والجحدان أكد وزير الدفاع الصحراوي خبر فرار المجموعة و عكس خبر الاعتقال صمتت الوزارة المعنية عن الكلام في الحادثة عبر إعلامها الرسمي غير انها خضعت لارادة الجماهير في البوح بما كانت لاتريده ان يذكر ، كثيرون تمنوا ان لايقع ما وقع وبين الامنية والواقع هوة سحيقة .بل هو هزيمة وفضيحة للقيادة وللجيش الذي كان الكل يراهن عليه لسنة الحسم...
حادثة اخرى تعيد المشهد الى سابق عهده وتنسف أماني الرئيس اولا قبل الكل ، اذ لايزال في الجيش بقية من “ضباط صاحب الجلالة” مهما حاولنا النكران ، على شاكلة ضباط المخزن تجاهل بعض القادة العسكريين لسنوات عديدة تحركات مهربي السجائر و المخدرات في المناطق الصحراوية المحررة، بل تعاونوا معهم وساعدوهم، بل ان بعضهم وهذا ليس سراً قلده المهربين نياشين عريس في “ترزيفت” من الابل في زيجاته المتعددة. آخرون تورطوا في بيع الذهب بازويرات عبر وسطاء يعملون لهم، وبعض القادة يستثمرون اموالهم عبر اقاربهم بالمناطق المحتلة، البقية لا يعرف من اقليم ناحيته العسكرية سوى مكان “الحية” ، البعض الأخر يعيش مراهقة متأخرة كل سنة بزواج بعده يبني قصرا من الاسمنت وسط الخيم البالية للاجئين الصحراويين ثم ينطلق ليسترجع فحولته من جديد... ونتيجة تراكم الثروة في يد العديد عجل بكثرة فضائحه، والبعض الأخر لا يزور المخيمات الا لحضور اجتماع هيئة الأركان التي تنعقد بمقر وزارة الدفاع الوطني بالشهيد الحافظ قبل أن يعود الى داره بالتندوف التي اشتراها بأموال الناحية دون حسيب أو رقيب.
يستنسخ بعض قيادات نواحي جيش التحرير يوميات “ضباط صاحب الجلالة ” بكل جزئياتها الكثيرة، على طرفي جدار الدفاع تكاد تتماثل قصص علية القيادات العسكرية التي ملئت فراغها في زمن السلم بالصداقات الغريبة واستحكمت خيوط اللعبة مع الشبكات كما لم تغب عن الحضور السياسي الذي يضمن لها الحظوة ، ماتقرأه في كتاب الضابط المغربي تجده في يوميات بعض القيادات الصحراوية التي نسجت شبكة علاقات معقدة مع مهربي المخدرات وكذا اللصوص وسماسرة السياسة بل حتى مع الضباط المغارية في الجهة الموالية من الجدار الرملي .
من الطبيعي جدا ان يكون ما حدث في منطقة “اخشاش” نتيجة حتمية لعمق تلك الشبكات التي تمتهن الوساطة بين الاعداء على طرفي الجدار. فالمهربون سواء شرق الجدار او غربه اقدر على تثبيت الوضع حتى من “المينورسو” نفسها ، وهم رسل السلام بين الجيران الاعداء. واذا ما صدقنا رواية أحد أهالي المسجونين الفارين فالقيادة العسكرية الصحراوية قد اخذت ثمن فرار المهربين وسنجد ان من قبض الثمن لن يعرف مهما كانت جدية التحقيقات التي ستأخذ طابع السرية بحجة أنها امور عسكرية حساسة بحتة وحساسة...
في كل مرة تفاجؤنا الفجوات التي تحدث في المؤسسة العسكرية والتي وصلت حتى حدود إستعمال الأختام الرسمية للوزارة في اعقد عملية تهريب تم تمثيلها بشكل متقن ، حيث كان الضحية وهو مستثمر جزائري يعمل في مجال بيع أجهزة التكييف، حيث كان ينقل تحت حراسة مشددة ويزور سجن “الذهيبية” وتقدم له التحية العسكرية ويصدق ما شاهد قبل ان يتم خداعه... بعدها مباشرة نفذ العدو الى داخل امهيريز ووزع مساعدات انسانية ، وا خيرا وليس اخرا الى قلب “اخشاش” بيد القادة العسكريين لابيده هو، مايعني ان العدو لم يعد وراء الجدار بل داخل الثكنات وتلك معضلة ينبغي التوقف عندها .
يوميات ظباط صاحب الفخامة قد تصبح يوما كتابا يغطي وهج كتاب ضباط صاحب الجلالة ، فحين تضع الحرب اوزارها تصبح الخيانة وجهة نظر ليس الا ..!! ويصدق المثل الشهير عن الثورات: يؤسسها عباقرة ويموت فيها شجعان ويعيش فيها الرذلاء...
ولك الله يا شعبي الكريم...
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة