بينما كانت شمس يونيو تحرق الاجساد بحرارتها المعتدلة . كانت شرايين وأوردة الفتاة الصحراوية "اخديجة يكبر" تضخ دماءا جديد وتبعث في الجسم المنهك احساسا مفعم بكرامة إنسانية إفتقدتها الفتاة منذ نعومة اظافرها .
في ربيعها الثلاثين تستنشق "اخديجة يكبر" ولاول مرة نعيم الحرية من ربق الاستعباد بعد سنوات من القهر النفسي والجسدي ظلت خلالها مجرد "عبدة" في خدمة سيدها في الرعي وحتى في استرضاء نزواته الحيوانية خلسة مع هجيع الليل او تحت اشعة الشمس الحارقة في بيداء "تيرس" اللامتناهية .
هي يوميات فتاة من فتياتنا مع الاسترقاق ظلت تقع بعيدا عن مخيمنا لكنها قريبة جدا من مكان يعبق بتاريخ واضرحة الرجال الذين امتشقوا البندقية دفاعاَ عن كرامة البشر وبحثا عن وطن حر يتساوى فيه كل الصحراويين في مفارقة عجيبة عجز "قلب ميجك " وهو يقف شامخا ان يحجبها عن الضمائر الحية الباحثة عن قيمة الانسان في زمن ثورة تنشد كرامة كل الناس، قصة غريبة ومفجعة لكنها حقيقة شاءت الاقدار ان تظهر لتعري مابقي فينا من دعاية عن دولة الفرص المتساوية وتكشف زيف من يتشدق بأن زمن العبودية ولى الى غير رجعة مع بزوغ فجر دولة كل الصحراويين لكن قصة "اخديجة" وغيرها يحجبها واقع الكتمان الذي نغطي به كل عوراتنا وسؤاتنا بحجة ان العدو المغربي وراء الباب وخلف النافذة وفي كل تفاصيل حياتنا .
- قصة "اخديجة يكبر " بين العبودية والاغتصاب :
قصة "اخديجة يكبر" مع العبودية والاستغلال الجنسي تبدأ من يوم جاءت لهذه البسيطة من ابوين اسودين وبالضبط العام 1984 بمنطقة ميجك . ولدت الفتاة لكنها لم تعش طفولتها كباقي أقرانها الذين تعلموا وتربوا وترعرعوا في مخيمات اللاجئين ونالوا قسطا من حقوقهم التي تكفلها كل الشرائع والقوانين وحتى الفطرة السليمة . غير ان طفولة "اخديجة " اختلفت كثيرا وسُرقت تحت سادية من يدعي انه سيدها . فامتهنت الرعي منذ نعومة اظافرها وكان ليلها مأساة ويومها عمل شاق مضنيء وطفولتها مجرد اضغاث احلام لن يكون بمقدورها ان تتحقق ولو لهنيهة . فذبلت طفولتها على وقع نزوات سيدها الذي مارس عليها الفحشاء حسب قولها فانجبت منه طفلين طفل وبنت وهي عزباء. وظل يمارس عليها نزواته في النهار حين يتبعها وهي ترعى الغنم او في هجيع الليل حين يختلس الوقت ويفر من فراش زوجته وهي نائمة ليغتصب الفتاة تحت التهديد والوعيد واحيانا الادعاء انه لم تولد الا لتلبية رغباته واشباع غرائزه الحيوانية . ولم ترحم سأديته عوزها وهي حبلى حيث فاجأها المخاض الاول وهي تطارد "مخلول من الابل" قبل ان تسقط مغميا عليها بعد ان رفض سيدها الرأفة لحالها فلم يتركها تستريح وهي تئن لقرب وضعها المولود الذكر الذي جاء الى الحياة على ظهر سيارة . لم تقف مأساة المسكينة هناك لتعيد نزوة سيدها الكرة مرة اخرى حين حبلت منه فأنجبت وليدها الثاني وهي فتاة في البيداء حين كانت ترعى وحدها فجاءها المخاض لتضع بنتها وحيدة بلا سند وقطعت حبلها السري ثم لفتها في قطعة من "ملحفتها" وهي تذرف الدموع الحارقة لكن ماباليد حيلة . هذا فقط رأس جليد مأساة "اخديجة يكبر" اما بقية يومياتها فلم تكن افضل ولن تكون خلال سنوات الاسترقاق . فهي التي منعت من الدراسة واغتصبت انوثتها وحرمت ابسط انواع الحياة، مجرد شربة لبن في ليل دافيء دون انتظار هجوم "السيد" ليكسر ماتبقى في جسمها من قوة بعد يوم مضني من الرعي والالم والعطش حيث تعرف "تيرس" بقلة مصادر مياهها وبطول سنوات الجفاف في مراعيها الامر الذي يتطلب قطع مسافات طويلة بحثا عن الكلأ والعشب . كانت الفتاة تقطعها مرات حافية القدمين تهلب شمس "تيرس "الحارقة جسدها ليذبل قبل أوانه.
- حين يفشل النظام ..تحضر الضمائر الحية :
حكاية "اخديجة " مع الحرية تبدأ من يوم 26-06-2014 بمنطقة ميجك المحررة بعد ان عثرت جمعية حرية وتقدم لمحاربة العبودية في الدولة الصحراوية على خيط القصة المؤلمة وتتبعتها خطوة بخطوة حيث شرعت في التنسيق للبحث عن خلاص للفتاة الام العازبة والتي تعرضت لصنوف شتى من العذاب النفسي والجسدي فكان ان ابلغت السلطات في بلدة "ميجك" المحررة بممارسات الاسترقاق التي تتعرض لها هذه العائلة لكن السلطات فشلت في وضع حد لهذه الممارسات او ايجاد حل لوضعية المرأة الضحية رفقة ابنيها اللذين تدعي ان "سيدها " هو ابوهما البيولوجي . حيث قامت السلطات بتخييرها واخوتها الخمسة بين البقاء مع سيدها تحت مراقبة الناحية العسكرية الثالثة اين تقع بلدة "ميجك" او ان يلجؤوا الى ابويهما في نفس المنطقة وهو ماسيعرضهم حتما لمضايقة سيدهم الذي هددهم بقطع لقمة عيشهم ومتابعتهم اينما حلوا وحيثما كانوا لاسيما وان والدتهم تتحجج ان سيدها هو اخوها وبالتالي هو خال وفيء للاولاد رافضة نقلهم الى المخيم حسب ما إشترطت جمعية حرية وتقدم حيث يمكنهم ان يعيشوا بعيدا عن جحيم العبودية ويصنعون في ماتبقى لهم من العمر حياة افضل رغم المتاعب . بعد فشل كل هذه الاقتراحات اخذت جمعية حرية وتقذم على عاتقها مهمة تخليص "اخديجة " من براثن العبودية فكان التواصل معها لاقناعها، وبالفعل تم اقناع الضحية "اخديجة" بتدخل مباشر من رئيس جمعية حرية وتقدم مرفوق برئيس اللجنة الاجتماعية للجمعية وكذا كل من رئيس المكتب الاعلامي ورئيس لجنة المالية والتوفير والمكلفين بمكتبي الداخلة والشهيد الحافظ، والذين كانوا في جولة للتقصي في ممارسات العبودية المرتكبة بالجزء المحرر، وبعيدا عن اعين اهل القرار وسلطة الدولة الصحراوية، وكانت الجولة من منطقة "الدوكج" المحررة قبل ان يصل الفريق الى بلدة "ميجك " المحررة ليكتشف هول القصة وفظاعة حكاية "اخديجة " المؤلمة والحزينة والمؤسفة، ثم قرر الوقوف معها حتى تنال الحرية وهو ماكان بعد سنوات طويلة من الظلم والاسترقاق .
- اخديجة بعد جراح العبودية ..تحديات الحرية :
في ربيعها الثلاثين الذي ذبُل قبل الأوان تستنشق "اخديجة " عبق الحرية رويدا رويدا وتجد لما تبقى من احلامها المهدورة فرصة كي تنمو من جديد في محيط إحتضنها بالزغاريد بدل السوط .لكن ثمة سؤال جوهري بعد ان يخفت صوت الزغاريد واهازيج المحتفلين في دائرة "بئرنزران" مخيم ولاية الداخلة . هل تعيد الحرية ما افسدته جراح العبودية؟، في مجتمع لازال بعيدا عن تقبل الضعيف وفي ظل عجز الدولة وتخاذلها في تقديم الدعم النفسي اولا لضحايا هذه الممارسات المهينة ثم منحهم فرص افضل للاندماج داخل المجتمع بمشاريع تضمن لهم العيش الكريم وتضع لانسانيتهم قيمة يمكنها ان تساهم في صناعة المستقبل الذي ينشده كل الصحراويين بعيدا عن منطق الاقصاء او الازدراء . في ظل واقع كهذا تبدو تحديات الحرية ماثلة امام اعين "اخديجة يكبر" لكن حسبها ان قررت لنفسها الخلاص وتلك ارادة الضعيف حين تكبر تحطم القيود .
- رسالة لمن يهمه الامر .هل فعلا نستحق الاحترام :
بينما يحمل رئيس اللجنة الصحراوية لحقوق الانسان محفظته وسيفه للدفاع عن نظامه امام مجلس حقوق الانسان العالمي ويتجاهل نداءات جمعية حرية وتقدم لحضور ولو ملتقى فكري لتبادل الآراء. وبينما تصدع رؤوسنا جمعيات المجتمع المدني بالاهداف النبيلة المرامي التي تحملها على الورق وليس بالفعل حسب زعمها مثل : اتحاد الحقوقيين . جمعية اولياء المعتقلين والمفقودين الصحراوين .اتحاد المحامين ووو. لاتجد مأساة ضحايا العبودية وانينهم طريقها الى الابراج العاجية بحجة انها لاتستحق الاهتمام والقضية الى الامام في آخر شوطها الذي لم ينتهي بعد، لكنه يمنح لتلك الجمعيات إقتناص الفرص والسياحة والتسول في كل مكان فيما تفوح رائحة نتنة تكشف خبث انفسنا الواهنة وتميط اللثام عن رغبة انسانية شيطانية تستلذ من تعذيب الآخرين المستضعفين بكل سادية ودون رادع اخلاقي او ديني .وفيما تكتشف جمعية حرية وتقدم يوميا تلك الممارسات الا ان سيف المحاسبة لايطال مرتكبيها طالما هم " الاسياد، اولاد لخيام لكبار" الذين ينبغي ان يظلوا طلقاء واحرار .
فهل حقا نستحق الاحترام؟ . وهل حقا يمكننا ان نفتخر بدولة مدنية تضمن الحقوق وتصون الحريات؟. هي رسالة لمن يهمه الامر .
ان لم تكن من الكرام فتشبه ... بهم ان التشبه بالكرام فلاح –
إنها دولة اقدم رئيس في العالم فما العمل؟؟؟
قسم الاعلام بجمعية حرية وتقدم لمحاربة العبودية داخل الدولة الصحراوية.
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة