من الأخطاء التي لا تغتفر التي رافقت قيادة البوليساريو منذ نشأتها هي عدم السماح بتعدد الآراء ورفض الرأي الأخر، بدءا من رفضه رأي رئيس الجمعية ورفض رأي حزب البونس، وانتهاج سياسة الاستحواذ على كل شيء حتى أصبحت الآراء المختلفة تعد جريمة بل من أكبر الجرائم التي تؤدي بصاحبها إلى السجن أو الموت.
ومن أجل ترسيخ هذا النهج، اعتمد البوليساريو سياسة تلفيق تهم المؤامرة والاندساس والتخوين. فعندما تطرح أراء مخالفة لرأي القيادة أو تحليل قد يكون بدرجة عالية من الموضوعية للقضايا المطروحة، فإن صاحبه توجه له تهمة التجسس واستهداف الثورة والقضاء عليها وتقديم خدمات جليلة للأعداء.
ومنذ السنوات الأولى، عملت القيادة على اختلاق شبكات وهمية مناوئة عند الحاجة كمبررات للإيقاع بمن يخالفها الرأي ولزرع الخوف في نفوس الناس وإرهابهم. ولتحقيق أهدافها، بدأت إيجاد سجون في الخلاء وفي الكهوف وتحت الأشجار لمعارضيها لإشاعة الرعب والريبة في صفوف المواطنين، حتى أن المرء أصبح لا يثق في زوجته وأبنائه ووالديه، تلك هي قمة الدمار الاجتماعي.
وقد رافق ذلك إفساد الأخلاق وإشاعة الفساد، ومرتكبوها أفراد محصنون من القيادة لا يجرأ أي أحد على فضح ممارساتهم المشينة خوفا على مصيره.
وقد مكنت هذه المنهجية من فرض تنظيم شمولي يسيطر على كل شيء، ويتدخل في كل شيء من القضايا التي تهم الفرد من زواج وطلاق إلى الأمور الدينية كفرض القصر في الصلاة وقمع المخالفين، وقد يصل الأمر إلى فرض التدخل في شؤون الطبخ اليومي وجعله موحدا بمعنى أن يطبخ الجميع نفس الوجبة في نفس اليوم ومن خالف مهما كانت الدواعي يعرض نفسه للعقاب، وأيضا فرض توحيد الملبس على مستوى كل لجنة من اللجان التي تتشكل من نساء المخيم، أي أنه على كل لجنة أن يكون لباسها بلون يخالف لباس اللجنة الأخرى. ويحق لنا والحالة هذه أن نتساءل هل وصلت كوريا الشمالية إلى هذا المستوى الرهيب الذي وصلته البوليساريو من إلغاء إرادة الأفراد والسيطرة عليهم ..؟
وهذه الوضعية ينطبق عليها القول المأثور: الكثير من السلطة والصلاحيات المطلقة تسكر كالكثير من الخمر يسكر، وأيضا المقولة الشائعة: السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.
نتيجة لطول مدة بقاء نفس القيادة في نفس المواقع التنظيمية وبنفس الممارسات الخاطئة، وتمتعهم بسلطات مطلقة لا يحدها قانون أو أخلاق أو وازع دين، تفاقمت الأمور ووصلت إلى تفجر الصراعات داخل الهيئات التنظيمية نفسها، لأن القيادة حولت المؤسسات إلى هيئات صورية وجعلت من مسؤوليها مجرد أدوات طيعة تعبث بها اللجنة التنفيذية عفوا اللجنة التنفيرية كما تشاء. ومع استمرار هذه الوضعية حصل تآكل داخلي أدى إلى استقالات جماعية من المكتب السياسي ومن الحكومة، وتبع ذلك استقالات جماعية في باقي مختلف المؤسسات الوطنية. وكان رد فعل الطغمة الديكتاتورية متشنج جدا جعلها تفرض الإقامة الإجبارية على المستقلين من القيادة وتعتقل البعض الآخر في السجون، مما دفع الجماهير في مختلف المخيمات إلى القيام بانتفاضة عارمة في شهر أكتوبر 1988. ومن غريب الصدف، أن حصل ذلك تزامنا مع انتفاضة الشعب الجزائري في نفس الشهر.
وبما أن القيادة التي أصيبت بهستيرية وجنون البقر كانت لا تملك أدوات الحوار والقدرة على معالجة الأمور على الأقل بالحد الأدنى من الحكمة والمعقولية، فإنها لم تجد من وسيلة سوى الالتجاء إلى جلب فيالق من الخطوط القتالية، من أجل مقاتلة الشعب وقمعه في المخيمات.
وفي أجواء هذه الانتفاضة، أنشأت القيادة –الطغمة- سجنا بجوار كل ولاية للرجال والنساء، واستعملت كل وسائل القمع الرهيبة مع السجناء الذين لا تزال أجساد السجناء تحمل وشم بقايا التعذيب وتكسير العظام وتهشيم الأسنان.
وكان هذا التصرف هو بداية تكسير إرادة الناس وصمودها، وتحولت ساكنة المخيمات من لاجئين بإرادتهم إلى معتقلين ومحاصرين بإرادة القيادة – الطغمة – التي ينطبق عليها بالملموس القول المأثور: السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.
وقد شملت سياسة الإفساد كافة مناحي الحياة من سرقة المساعدات المحروقات والمساعدات الغذائية والطبية وبيعها في الأسواق المجاورة، واختلاس الميزانيات التي تقدمها المنظمات الإنسانية لسد احتياجات المخيمات من الحاجات الضرورية.
ومن مظاهر الفساد والإفساد أيضا قيام القيادة بالتعيينات في مواقع المسؤولية بدون أدنى معايير الكفاءة والنزاهة والمروءة، بل على أساس الولاء والمحاباة القبلية.
وقد توجت هذه السياسة وهذا السلوك بإفساد الانتخابات وبعملية إنزال مفضوحة بدءا من جعل أكثرية الناخبين في المؤتمر العام للجبهة معينين تحت مجموعة من التسميات لا حصر لها: قدماء المؤسسين، الأفراد الذين سبق أن تقلدوا مناصب في الحكومة والمكتب السياسي، مسؤولي الأمن والمحافظين في النواحي العسكرية بالإضافة إلى الأعيان والوجهاء. وكان الهدف من ذلك، هو الحيلولة دون ترجيح كفة عدد المشاركين بالانتخاب من القاعدة الشعبية أو من النواحي العسكرية في العمليات الانتخابية لضمان انتخاب نفس الأشخاص الموالين للقيادة.
وتشكل هذه السلوكات استهتارا فاضحا بالرأي العام ما كان له أن يكون لولا اعتماد هذه العصابة التي تتكون من بعض ذوي الاحتياجات الخاصة والمصابين ذهنيا والبعض الآخر لولا دعم الجزائر والاستعانة بها في كل المناسبات لتخويف الشعب والوقوف دون اختياره لقيادته بإرادته الحرة. وهنا أستحضر تدخل وزير جزائري شارك في بعض مؤتمرات البوليساريو عند تناوله الكلمة في الجلسة الافتتاحية قدم فيه تهانئه للمؤتمر على تجديده للثقة في عبد العزيز كأمين عام حتى قبل إجراء الانتخابات...
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة