بقلم: الرحموني الغيث امبيريك
الفساد هو سوء استخدام الوظيفة واستعمال المنصب أو السلطة للحصول على منفعة أو إعطاء ميزة من اجل تحقيق مكسب مادي أو قوة أو نفوذ على حساب الآخرين ، فهو سلوك بيروقراطي منحرف يستهدف تحقيق منافع ذاتية بطريقة غير شرعية وبدون وجه حق، ونقصد هنا بالفساد كافة المعاملات المادية المخالفة للأحكام المعمول بها .
اعتقلت دولة البرتغال رئيس حكومتها السابق (خوسي سقراطيس) بتهمة تبيض الأموال و شراء منزل في باريس بأموال مجهولة المصدر ، واعتقلت الشرطة الفرنسية الرئيس السابق لفرنسا (نيكولاس ساركوزي) لتحقيق معه بتهمة الفساد، ومثل (جاك شيراك ) أمام محكمة جنائية بتهمة استغلال منصبه السياسي لتحويل أموال عامة إلى أنصار حزبه وتبذير المال العام وحكم عليه بالسجن سنتين مع إيقاف التنفيذ، في الولايات المتحدة الأمريكية أدت فضيحة (وتر جيت) إلى الإطاحة ( برتشارد نيكسون) كما أدت صفقة بيع طائرات الهيلكوبتر الايطالية للحكومة الهندية إلى الإطاحة برئيس صناعة الإنتاج الحربي في ايطاليا ( جوزيبي اورسي)، وفي اسبانيا استجوب البرلمان رئيس الوزراء (ماريانو راخوي) بتهمة الفساد وليس بعيد عن شمال إفريقيا في مالي تمت محاكمة (موسى اتراوري) رئيس مالي السابق الذي حكم عليه بالإعدام مرتين لارتكابه جرائم سياسية وجرائم اقتصادية وحصل على عفو عام في سنة 2002 بعد حكم استمر 23 سنة .
وبهذا المعنى نسأل أين نحن من هذه الشعوب المتحضرة التي تحترم القانون وتخاف حقوق الإنسان ؟ أم أن من يديرون شؤون بلادنا في مستوى تطلعات شعبنا، مثلا أعلى في احترام القانون وحقوق الإنسان إلا هذا الحد الذي لم يحاكم معه احد قط بتهمة الفساد أو مخالفة القانون ولم يتحدث وصي ولا زعيم عن الفساد في ثورة انتعلت حذاء الدولة قبل أوانها .
محاكمات المفسدين من رؤساء ووزراء ومسؤولين ليست شيئا غريبا أو جديدا إلا في دولتنا الفتية، التي تعتبره عملا غير مقبول وسابق لأوانه ، رغم تعدد الأصوات المطالبة بمحاكمة المفسدين و بالمساواة أمام القانون .
صحيح أن معظم قيادتنا الوطنية متهم في ملف الفساد، وقضايا كان يفترض بموجب وظيفتهم مكافحتها وكان من الطبيعي أن تؤدي بالمتورطين فيها من كل الأصناف إلى ردهات السجون التي أعدت حسب التجربة للبسطاء فقط من عامة الناس.
لماذا ننعت كل من خالفنا الرأي بالخائن أو العميل ونغض الطرف عن كل المفسدين وعن الخونة الحقيقيين، إذ غالبا ما توجد لهم أعذار أو يتم التستر عليهم أو عدم ذكرهم على الإطلاق رغم تورطهم الثابت للعيان؟ التي تعود مسبباته الرئيسية إلى اعتقاد المسؤول انه الأوحد والأعظم والمنظر وانه فوق القانون لا تجوز محاسبته... لماذا لا نترك القضاء يقول كلمته في كل المجرمين بدلا ( من اكبيظ لخلاك)؟ لماذا لم ننس بعد سياسة(لفريك)؟؟؟ ، في تناقض سافر مع دولة القانون التي نريد إنشاءها في المنفى ( كلوة و فرسن ما يخلط فشدك ).
و من هنا نرى أهمية سجلات التاريخ المعاصر التي رصدت سيرة حكام كثر فقدوا السلطة، زعماء تمت محاكمتهم وحكم عليهم بالإعدام أو زج بهم في غياهب السجون ومنهم من تم العفو عنه أو استقال أو نفي قسرا إلى خارج الوطن والأمثلة كثيرة كما هو حال (نيكولاي شاوشيسكو ) رئيس رومانيا والرئيس الليبيري (تشارلز تايلور) والرئيس الفلبيني (جوزيف ستراد ) ورئيس تونس السابق زين العابدين بن علي .
في بداية ثورة 20 من ماي الخالدة كان كل شيء جميل رغم للجوء والمعانات وفراق الأهل والوطن ، كنا كأسنان المشط لا فوارق اجتماعية ولا قبلية معلنة ولا تسابق على متاهات الدنيا، همنا مشترك ووحيد وهو تحرير الأرض من الغزاة الغاصبين، وبين عشية وضحاها أصبحنا نعيش طبقية صارخة في مخيم واحد مع تفاوت في مستوى العيش والرفاهية المادية،واختلافات مثيرة للجدل في ظل غياب قانون المساءلة والمحاسبة من طرف الدولة وكأن شيئا لم يكن ، ضجة كبيرة ونهاية لا تناسب ما ارتكب من نهب للمال العام، وسكوت مخجل من المجلس الوطني الصحراوي يضع الكثير من علامات الاستفهام؟؟؟؟
حتى لا تبقى دار أبو سفيان على حالها، علينا إذن:
حسن اختيار المسؤولين على أساس القيم الإيمانية والأخلاقية والكفاءات الفنية.
تفعيل أجهزة الرقابة وتطبيق مبدأ المساءلة وتقويم أي فساد مالي.
تغليظ العقوبات على المفسدين بالعدل، ليرتدع من تحدثه نفسه بالتطاول على الممتلكات العامة .
المشكلة التي نعاني منها هي عدم مساءلة ومحاسبة الفاسدين الكبار التي تشجع منهم اصغر منهم على سلك طريقهم، مما يؤدي إلى عدم استقرار المجتمع والتسابق على الفساد وتفشي ظاهرة للصوصية والقتل والجريمة وانتشار الأخلاق السيئة والظلم والكذب والنفاق والانتهازية والى زيادة الفوارق الاجتماعية وإعطاء الغير دون حقه والمماطلة في أداء الحقوق والواجبات، في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعشها ويعشها العالم .
إذن لنقل تجربة دولتنا في المنفى إلى أرضنا بعد الاستقلال القريب إنشاء الله. رؤيتنا هي دولة خالية من الفساد بكل أشكاله ومواطن مسؤول عن كشف الفساد ومحاربته،غالبا ما يسرق السارق لوحده وكثيرا ما يختبئ اللصوص في حدائق الحكام .
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة