أثارت الزيارة الاخيرة لوفد رسمي صحراوي إلى العاصمة الروسية موسكو الكثير من التساؤلات عن تاثير الزيارة على موقف جبهة البوليساريو من الاحداث الجارية في الساحة العربية، وماتشهده من اصطفافات بين بلدان المنطقة وبتدخل مباشر من القوى الفاعلة في السياسة الدولية خاصة روسيا والولايات المتحدة الامريكية، حيث اصبح من الواضح ان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا اصبحت منقسمة الى حلفين غير معلنين، هما حلف موسكو وحلف واشنطن، وبينهما تصطف مختلف البلدان والحركات التحررية مع هذا الطرف او ذاك، فهل إختارت جبهة البوليساريو معسكرها في ظل الاصطفاف الحاصل في منطقتنا العربية؟
الربيع العربي وتاثيره على الاحلاف غير المعلنة .
منذ بدء موجة الربيع العربي عام 2011 اعلنت بعض الدول عن وقوفها الى جانب ثورات الربيع العربي التي كانت نتيجة منطقية لعقود من حكم الانظمة الشمولية بالمنطقة العربية، لكن وصول قطار الربيع العربي الى محطة دمشق بعد تونس، القاهرة واليمن، شكل منعطفا في مواقف مختلف الفاعلين في الساحة الاقليمية والعالمية من هذه الثورات، ففي بداية احداث الربيع العربي اعلن النظام الصحراوي عن مباركته لهذه الموجة الثورية التي انطلقت شرارتها من احداث اكديم ازيك حسب المفكر العالمي الامريكي نعوم تشومسكي، لكن موقف الطرف الصحراوي سرعان ما تغير 180 درجة لينقلب على ثورات الربيع العربي حيث ظهرت مصطلحات من قبيل “مايسمى بالربيع العربي” على لسان بعض القادة الصحراويين، واعلن الوزير الاول بشكل علني وفي اكثر من مناسبه انه ضد الربيع العربي الذي وصفه بالمؤامرة الخارجية الهادفة لتدمير الثورة الصحراوية، وتناسى ان ماحدث عام 1988 لا يختلف عن ماحدث عام 2011 باستثناء توظيف القبلية في احداث 88.
وبما ان الموقف الرسمي بالرابوني يميل مع صاحب الميزانيات حيث يميل، أصبح الربيع العربي في نظر كثيرين مجرد مؤامرة خارجية لزرع الفتنة في المنطقة العربية، والقى موقف الجزائر الرافض منذ البداية لثورات الربيع العربي بتأثيره على موقف الطرف الصحراوي الذي اظهر في اكثر من مناسبة عن تضامنه مع نظام بشار الاسد، وقيامه بارسال رسائل تعزية للنظام السوري بعد الانفجارات التي شهدتها العاصمة السورية دمشق و وصفها بالتفجيرات الارهابية، بينما تعامت الرئاسة الصحراوية عن ماتشهده مناطق المعارضة السورية من قصف يومي من قبل الطائرات الروسية والسورية خاصة بمدينة حلب ، وقدم وفد رسمي صحراوي برئاسة المستشار برئاسة الجمهورية زيارة للعاصمة اللبنانية وحظيت الزيارة بترحيب من اطراف مقربة من محور دمشق وبقنواتها الاعلامية بالعاصمة اللبنانية. وجاءت الزيارة الاخيرة لوفد رسمي صحراوي للعاصمة الروسية لتعلن عن اصطفاف علني مع المحور الذي تتزعمه موسكو، مايعني اننا اصبحنا في نظر المحور المعادي لمحور موسكو طرفاً في معادلة الاصطفافات، فماهي هوامش الربح والخسارة للطرف الصحراوي في هذه المعادلة الجديدة؟
ايجابيات الاطفاف مع موسكو في صراعنا مع العدو المغربي :
يشكل الوقوف الى جانب محور دمشق، طهران وموسكو، فرصة ثمينة للطرف الصحراوي من أجل ضمان موقف ثابت من أحد اللاعبين الكبار في المشهد الدولي الى جانب القضية الصحراوية، ماقد يعني تعديل كفة الصراع مع المغرب بمجلس الامن الدولي الذي يعرف انحيازا فاضحا من قبل فرنسا لجانب المغرب، وهو ما أثر سلبا على المسار الاممي في الصحراء الغربية، لكن السياسة الروسية في المنطقة اثبتت انها سياسة براغماتية مبنية على مصالح موسكو الاقتصادية والاستراتيجية، وهي امتداد لنفس السياسة التي انتهجها الاتحاد السوفياتي سابقاً وهي سياسة اقرب لسياسة الحياد الايجابي في تعاطيه مع نضال الشعب الصحراوي رغم الدعم الكبير للقضية الصحراوية من بعض البلدان المحسوبة على ماكان يعرف بالمعسكر الشرقي، الا ان ذلك لم يثني الاتحاد السوفياتي عن عدم اعلان تاييده الصريح لجبهة البوليساريو بسبب مصالحه الاقتصاية مع الطرف المغربي، حيث تم التوقيع في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي على صفقة مع المغرب، مكنت الاتحاد السوفياتي وفي عز سنوات الحرب بين الجيش الصحراوي وقوات الاحتلال المغربية من استراد كميات كبيرة من مادة الفوسفات، وهو ما أثر سلبا على موقفه من القضية الصحراوية مقارنة ببعض البلدان الاشتراكية مثل كوبا ويوغوسلافيا سابقا.
وبانضمامه الى محور موسكو سيضمن الطرف الصحراوي مصدر ثابت للاسلحة والعتاد في حال حدوث مواجهة عسكرية مع الاحتلال المغربي، واثبتت التجربة السورية انه لولا الدعم العسكري الذي قدمته موسكو لما إستطاع نظام بشار الاسد الصمود منذ عام 2011.
سلبيات الاصطفاف مع موسكو على مستقبل القضية الصحراوية.
لاتقل سلبيات اي اصطفاف في الاحلاف الدولية عن الايجابيات التي قد يربحها اي طرف ، ومن السلبيات المضمونة هي ربح اعداء جدد، ما سيمكن الطرف المغربي من استثمار عداوتهم من اجل جلب المزيد من الدعم لاطروحته، اضافة الى توجس امريكا من اي تقارب صحراوي روسي بسبب الخشية من وصول النفوذ الروسي الى الواجهة الاطلسية خاصة للمناطق المحررة من الصحراء الغربية، وان كان الامر مستبعدا في الوقت الحالي بسبب الوضع غير المستقر في المنطقة، الا ان التطورات المتسارعة في منطقة الشرق الاوسط وشرق اوروبا منذ عام 2011 اثبتت ان لاشيء مستحيل في السياسة وبأن الخارطة العالمية قابلة للتغيير حسب الخطط التي ترسمها البلدان الكبرى، فلا أحد كان يتوقع السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم جنوب اكرانبا. أو قيامها بالاشراف على ادارة شؤون مدينة حلب السورية بعد انسحاب قوات المعارضة، كلها تطورات كانت مستحيلة الحدوث قبل سنوات، ماقد يعني ان انضمامنا الى محور موسكو قد يفتح الباب امام مشاريع قد تبدو بعيدة حتى عن الخيال في ايامنا هذه. وقد ينذر اشتداد الصراع بين مختلف الاطراف المتصارعة في المنطقة الى اتخاذ الصحراء الغربية كحلبة جديدة لتصفية الحسابات العالقة في سوريا واليمن، وهو ماقد يعني ان الشعب الصحراوي هو من سيدفع ثمن اي مواجهة عسكرية على الاراضي الصحراوية، كما دفع الشعبين السوري واليمني ثمن الصراع الدولي على مناطقهم.
هل استشارة القيادة الصحراوية الشعب في اصطفافاتها الجديدة ؟؟
من المتعارف عليه ان قضايا السياسة الخارجية هي حكر على دائرة ضيقة داخل النظام الصحراوي، ولا يسمح حتى لبعض أعضاء القيادة بابداء الرأي في هذه القضايا فمابالك بالمواطن الصحراوي البسيط الذي لازال يُنظر له بانه قاصر عن فهم مواضيع السياسة الدولية، اما إستشارة البرلمان في التوجهات الجديدة فتبدو مستبعدة بسبب إنعدام تأثيره في المشهد السياسي، وتبعيته للحكومة التي جعلت بعض نوابه مجرد ممثلين دورهم هو رفع اليد لتزكية السياسات الكارثية للحكومة الصحراوية.
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة