وصلت إلى أزويرات منذ 28 ابريل 1973 أوائل مجموعة قليلة من مناضلي هذا الشعب قادمة من: التندوف، بئر أم أكرين، انواكشوط، والمناطق المحتلة وجنوب المغرب للمشاركة في المحطة النهائية من عملية إتخاذ القرار النهائي بالإعلان عن ميلاد ثورة الشعب الصحراوي. وتحول هذا الإجتماع إلى ما يعرف حاليا في أدبيات الشعب الصحراوي بالمؤتمر التأسيسي للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، أو على الأصح المحطة النهائية من المؤتمر المتنقل...
المكان: دار احمد ولد القائد صالح بأزويرات.
الزمان: مساء يوم 29 ابريل1973م.
المشاركون:4 شهداء، 5 تراجعوا، وثمانية ما زالوا على قيد الحياة: الولي مصطفى السيد، محمد سعدبوه، لبات ولد حمدي ولد ميارة، أسويدي ولد السيد (قابوس)، محمد عبد العزيز، محمد لامين ولد أحمد، بطل سيد أحمد، حبيب الله، حمدي ولد لوليد (لخويدم)، الداه نفعي، ابراهيم غالي، أحمد الفيلالي، محمد سالم ولدعبدلا، عمار العظمي، البشير ولد عبدلا، البندير ولد أمعييف، أبليل صيلة، وكانت أمباركة بومخروطة هي الوحيدة التي تدخل وتخرج على المجتمعين ومكلفة بتغذيتهم، اما امهمد ولد زيو، واحمد ولد القائد صالح، وموسى ولد لبصير فقد وصلوا متأخرين. البشير مصطفى السيد ولوشاعة عبيد لم يتمكنا من الحضور لانهما كانا فى مهمة بمدينة اطار وقد اكتفيا بارسال برقية تضامن تمت قراءتها امام الحاضرين. وكان النقاش في البداية ساخنا وقد دار النقاش فى بداية الجلسة حول سؤال متعلق بطبيعة هذه المحطة من التحضيرات لتأسيس الثورة، وهل هذا الإجتماع مجرد محطة أخرى في مسلسل محطات التحضير، أم أنها المحطة النهائية والجلسات الأخيرة من المؤتمر التأسيسي المتنقل. ولكن الشهيد الولي، الذي كان في سباق مع الزمن، ركز على ضرورة إعتبار هذا الإجتماع مؤتمرا تأسيسيا، لأن الزمن يمر، والناس مستعدة لحمل السلاح، وذكرهم بالمجموعة المسلحة التي ستكون في الموعد بمنطقة حاسي بوأجنيبية يوم سادس ماي. وبعد أخذ ورد ونقاش مطول تم الإتفاق على إعتبار الإجتماع مؤتمرا تأسيسيا، والمصادقة على: بالبندقية ننال الحرية كشعار للمؤتمر. وتم تعيين محمد لامين ولد أحمد رئيسا للمؤتمر، والمصادقة على جدول الأعمال التالي:
ـ تأسيس التنظيم وتسميته
ـ تفجير الكفاح المسلح
ـ وضع قانون داخلي. وطيلة تلك الليلة تناول النقاش جدول الأعمال. وكان هؤلاء الرجال القلائل الذين سهروا طيلة تلك الليلة مع النقاش والتدخين والشاي يضعون اللبنات الأساسية لتنظيم سياسي قاد النضال المعاصر للشعب الصحراوي، وبعد أقل من ثلاث سنوات سيغير الوضع في المنطقة، ويحدد التحالفات، ويظهر كل نظام على حقيقته من دون أقنعة ولامكياج. في الصباح تم تشكيل اللجان المتفرعة عن المؤتمر وهي كالتالي: لجنة القانون الداخلي، لجنة البيان السياسي، لجنة التوصيات والرسائل والمبادئ والشعارات. وتفرغت اللجان لأعمالها، ومساء يوم 30 أبريل عرضت اللجان أشغالها. وتواصل النقاش طيلة تلك الليلة، وفي اليوم الموالي، فاتح ماي، تم تشكيل لجنة للصياغة وفي المساء عقدت الجلسة الختامية للمؤتمر وتمت المصادقة على مقرراته، وانتخاب قيادة للتنظيم طبقا للقانون الداخلي المصادق عليه في المؤتمر، وكانت كالتالي: اللجنة التنفيذية: محمد لامين ولد البوهالي، محمد لامين ولد احمد، ابراهيم غالي، محمد سعدبوه، الفراح حسني (عبد الغني) الصالح ولد غشيو، وعضو ملحق باللجنة التنفيدية هو الولي مصطفى السيد... وأعضاء المكتب السياسي وعددهم 11 فردا مختارين من المؤتمر على أساس ترك الإختيار لكل فرع من فروع التنظيم لإختيار مسؤوليه الذين سيكونون أعضاء في المكتب السياسي، والمتكون قانونيا من 21 فردا ( 3 اعضاء للتنظيم في الطنطان: هم داوود السالك، المعروف بالمحجوب الجفاف، الخليل ولد احمين، الليلي فاطمة الغالية. و3 في العيون هم: المحفوظ اعلي بيبا،مولاي عباس، النيه اعلي امبلال. و3 في الداخلة هم بلاهي الطالب عمار، احمتوا ولد اسويلم، محمد فاظل ولد اعلي. وواحد في السمارة هم المناضل بلاهي السيد). كما تم تأسيس الجناح العسكري، والجناح السياسي للتنظيم، وطلب من الحاضرين الإختيار بين الجناحين... وهكذا في الفاتح ماي من سنة 1973 كانت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب قد ولدت بمدينة أزويرات، وإنه لمن المصادفات الغريبة أن تتعرض هذه المدينة، في نفس اليوم (فاتح ماي)، وبعد أربع سنوات، لهجوم عسكري كاسح شارك فيه بعض المشاركين في هذا المؤتمر، كان بداية لنهاية نظام المخطار ولد داداه...
ربما يتساءل البعض كيف يكون المؤتمر التأسيسي قد تم إختتامه يوم فاتح ماي، ونحن نحتفل بيوم 10ماي من كل سنة كذكرى لتأسيس الجبهة.. إن الأسباب التي دعت لذلك، هو أن اللجنة التنفيذية في إجتماعها الأول بعد المؤتمر التأسيسي قررت إرسال محمد لامين ولد أحمد إلى العاصمة الموريتانية، للإتصال بالسفارات وتوزيع البيان السياسي يوم عاشر ماي، بعد أن رفض عمار حضرمي المهمة، خوفا وجبنا. وذلك للحفاظ على السرية، وليتمكن المشاركون في المؤتمر من الإنطلاقة. وتحسبا لسرية إعلان الكفاح المسلح، بناءا على الموعد مع الثوار يوم سادس ماي، بمنطقة حاسي بوجنيبية. وهذا ما جعل العالم لايعلم بتأسيس الجبهة إلا يوم عاشر ماي، لما نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية عن طريق مراسلها بأنواقشوط . هو أن الولي له رزنامته الخاصة به والمعتمدة على تواريخ تقريبية أفتراضية، منها على الخصوص توزيع المناشير بالمدن المحتلة الزافة نبأ ميلاد التنظيم الصحراوي، وما يتطلب ذلك من قطع مسافات وكسر حواجز دون تلك المدن(العمق) وكذلك تاريخ تقريبي للإتصال بالوحدات المسلحة لربط القول (التصريح بالميلاد) بالفعل (العمل المسلح) وقد كان ذلك البيان السياسي التأسيسي المحكم العبارات، والشامل المعنى، من صياغة الولي مصطفى السيد وقد جاء فيه:
إزاء تشبث الإستعمار بالبقاء مسيطرا على شعبنا العربي الأبي، ومحاولة تحطيمه بالجهل والفقر والتمزق والفصل عن المغرب العربي والأمة العربية.
وإزاء فشل كل الأساليب السلمية، سواء التي قامت بها الحركات العفوية أو المنظمات المفروضة والتي تبنتها بعض الأطراف: تتكون الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، كتعبير جماهيري وحيد، متخذة العنف الثوري والعمل المسلح وسيلة للوصول بالشعب الصحراوي العربي الإفريقي إلى الحرية الشاملة من الإستعمار الإسباني وضرب مؤامراته.
ـ جزء من الثورة العربية
ـ تدعم نضال الشعوب ضد الإستعمار والتمييز العنصري والإمبريالية، لذالك تدينها في محاولة إبقاء الشعوب تحت سيطرتها سواء بالإستعمار أو الحصار الإقتصادي.
ـ تعتبر التعاون مع الثورة الجزائرية الشعبية في مرحلة إنتقالية، عنصرا أساسيا لضرب المؤامرات على العالم الثالث
ــ تدعو جميع الشعوب الثائرة إلى التكاثف من أجل مواجهة العدو المشترك.
بالبندقية ننال الحرية. 10ماي 1973.
كما قررت اللجنة التنفيذية خلال إجتماعها الأول بعث الأخ أحمد الفيلالي لإبلاغ نتائج المؤتمر للمناضلين بالداخل، بإعتباره أحد أعضاء المؤتمر القلائل الذين يملكون البطاقة الإسبانية، وبإستطاعته الدخول للعيون من دون مشاكل، للإتصال بالمناضلين والعمل على توسيع التنظيم. وتم إرسال الداه نفعي للإتصال ببعض الشخصيات الوطنية بالمناطق المحتلة، وأحمد ولد القائد صالح كلف بالإتصال بجهات ليبية (سعيد القشاط)، أما مجموعة الجناح العسكري فقد قررت الانطلاقة لتفجير الكفاح المسلح، وبدؤوا في وضع خريطة للمنطقة وتحديد المناطق الإستراتجية والآبار وأماكن المياه. وقرروا التوجه إلى التندوف ومنها إلى الموعد للقيام بإعلان الكفاح المسلح في أسرع وقت ممكن ... وهكذا إنطلقت المجموعة نحو التندوف في سيارة محمد لامين البوهالي، وتتكون المجموعة من الولي مصطفى السيد، محد لامين البوهالي، محمد عبد العزيز، محمد سعدبوه، بطل سيد أحمد وابراهيم غالي وقد ضلوا الطريق ولم يتفطنوا لأنفسهم إلا وهم قد وصلوا إلى ميجك، حيث وجدوا خيمة، وطلبوا من إمرأة أن تعطيهم الشراب، وسألوها عن المكان فأخبرتهم أنهم في ميجك، وهكذا أصبحت النواة في يد السلطات الإستعمارية. وبدؤوا في تبادل وجهات النظر، وقرروا في الآخير التوجه شرقا نحو الحدود الموريتانية وقد ساعدهم هبوب الزوابع الرملية في ذلك اليوم ((لعجاج) وإلا كان تاريخ كفاحنا قد إتخذ مجرى آخر. ووجدوا راعيا في الطريق طلبهم السكر، فسلموه له ودلهم على الطريق، ولكن سوء الحظ ما زال يرافقهم، فبعد قليل أصيب محمد لامين البوهالي بحمى شديدة، ولم يعد بإمكانه مواصلة السياقة، فتسلم الولي مقود السيارة ووصلوا في ساعة متأخرة من الليل إلى بئر أم أكرين وهم في أشد ما يكون من التعب والجوع والعطش ونزلوا عند أعزيزة منت بدا وزوجها أسلامة. وأستراحوا وأصلحوا السيارة، وواصلوا طريقهم في اليوم الموالي نحو عين بنتيلي، وأقاموا عند دار أهل أسويلم ولما تناولوا العشاء، غادروها في إتجاه مدينة التندوف. وكان الولي هو الذي يقود السيارة وبعد تجاوزهم لوادي لخبي، ظهر لهم ضوء سيارة عسكرية إسبانية في دورية حراسة محاطة بجنود مسلحين، وهكذا أصبح زعيم الثورة مرة اخرى بين مخالب العدو، ومن دون تفكير اطلق الولي العنان للسيارة فأنطلقت في أثرهم سيارة الدورية الإسبانية وبدأت المطاردة، وتجاوزتهم السيارة الإسبانية، وسدت الطريق أمامهم، أوقفوا السيارة وأستعدوا لمهاجمتهم إذا حاولوا إعتقالهم، إستعد الرفاق في مؤخرة السيارة، وأصبح الجميع في حالة تأهب لمواجهة غير متكافئة. وأحاط الجنود بالسيارة شاهرين أسلحتهم، وقال المترجم وهو صحراوي مجند في الجيش الإسباني، وهو موجود حاليا بالجيش الصحراوي: ـ لماذا لم تقفوا؟
ـ السيارة بلا فرامل ولم نكن نظن أنكم حراسة.
ـ أعطونا أوراق السيارة. ولما قيل لهم بأن السيارة جزائرية وهذه هي الأوراق، تركوهم يمرون بسلام، وتنفس الرفاق الصعداء. ونجا زعيم الثورة للمرة الثانية بمعجزة من مخالب العدو. ولما وصلوا إلى التندوف يوم خامس ماي، كانت المدينة تموج بالبشر من مختلف الأماكن، فالموسم التجاري ( المكَار) في قمته، وكانوا قبل توجههم للمؤتمر قد كلفوا يحظيه ولد الفراح بالتوجه إلى لكحال للبحث عن السلاح على أمل قدومه للتندوف قبل يوم سادس ماي. ولما سألوا عنه تأكدوا من عدم رجوعه، وفي ضحى يوم سادس ماي عقدوا إجتماعا بدار محمد لامين ولد البوهالي، ونظموا الفرع بالتندوف، الذي تولى الإشراف عليه محمد عبد العزيز ومعه بطل سيد أحمد بإعتبارهما عضوي المكتب السياسي، وبعد ذلك قرروا التوجه إلى الموعد بحاسي بوجنيبية وطلب الولي من محمد لامين البوهالي إنتظار صاحب السلاح، وأن يلتحق بهم هو ومن معه بعد ذلك... وهكذا غادر الولي برفقة محمد سعدبوه وأبراهيم غالي والسالك ولد احمد والسالك أسويلم، نفس اليوم مدينة التندوف في إتجاه الموعد بمنطقة حاسي بوجنيبية في سيارة محمد لامين البوهالي ورافقهم السائق أفظيلي ولد أسليمة ليقوم بإرجاع السيارة بعد وصولهم، والدليل أبشيرا. هذا قليل من كثير عن الجلسة الختانمية للمؤتمر المتنقل التاسيس للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب...
منقول من كتاب مجتمع البيظان تاريخ امة وكفاح شعب، الصادر اخير للمحجوب السالك.
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة