قال الفيلسوف فيتاغوراس ( إرض بفعل الصواب ، ودع الآخرين يتكلمون عنك كما يريدون). الملاحظ أن القراءات السياسية والثقافية لأوضاعنا المختلفة، تقابل منذ مدة غير قليلة بحالات فوران قوية، وهجوم انفعالي غير مسبوق ينبئ بتحكم عقلية وصية تهدد بإمكانية حصول " تردي أخلاقي " حالما يتجه النقد إلى هذه "الملكيات العائلية" ، و"للقطاعات" التي تدور في فلكها . ويبدو أن القراءات النقدية -التي تعاند المألوف في خطاب التجني على المكتسبات والمنجزات
، والتي لا يمكن إرجاعها لغير صانعها الفعلي الشعب الصحراوي وجماهيره المنتفضة ، كما لا يمكن إلغاء إطارها التنظيمي ولا أسسه النظرية – التي تتفاعل مع الوضع الحالي الممهور بوقائع تشهد أن بلوغ البعض كرسي المسؤولية في الدولة الصحراوية كان بامتطاء أحصنة التخلي عن المشروع الوطني ، وباعتلاء تلال التراجع والارتماء إلى الضفة الأخرى ، ممتشقا صور ( من لاداعي لذكر اسمه احتراما لشهدائنا الأبرار ) .كما اشتغلت هذه القراءات النقدية في محاولة لتكوين رأي عام قادر على إنتاج خطاب فكري يتجاوز هذه المطبات السياسية الخطيرة ، يتيح من جهة تشجيع كل الذين استطاعوا الخروج من تلك الأزمة بإلتزام وطني واضح جسدته أعمالهم الجليلة للوطن والمواطنين ، كما يقف من جهة أخرى ضد كل الذين رسخوا تلك الأزمة مطية للإبتزاز السياسي ، ولمراكمة المنافع الشخصية ، ومناوئة كل المحاولات المتواصلة للتصحيح والإصلاح .
وللتذكير فقط فإن من يحكمهم الهوس الشخصي بالمراكز والمال هم من ينازعوننا هذه المساحات المتاحة للتعبير عن رأينا ، وهم من يرفعون في وجهننا كلما ضيقنا عليهم فرص تضليل الشعب الصحراوي وجماهيره المنتفضة في المناطق المحتلة وجنوب المغرب أو تلك المتلظية بنيران اللجوء والمنفى في مخيمات العزة والكرامة عصا عصيان الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، كما يرفعون في وجهننا سكاكين المس بالوحدة الوطنية . ورغم أنني خصوصا في مواجهة هؤلاء الذين يزايدون علينا بوطنية مدفوعة الجزاء رمزها تاج محل بالمخيمات وتفاصيل أخرى بأرض الأندلس والمناطق المحتلة وباقي بقاع المعمور ، غير مجبر على تأكيد انتمائي للوطن الصحراوي وتأييدي المطلق لممثل الشعب الصحراوي الوحيد والأوحد والتاريخي جبهة البوليساريو ونضالي المستميت من اجل حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال ، لكنني على العكس من ذلك مجبر أمام التاريخ أن أجهر بصوتي المنتقد بعد أن سدت كل قنوات التواصل التنظيمية الطبيعية والتاريخية ، لا فقط من اجل الإبقاء على كل لحظات الأمل ، ولكن من أجل صناعة هذا الأمل ، والإبقاء عليه شعلة متقدة خصوصا في أصعب اللحظات وأحلكها ، ومن أجل امتلاك حقيقي للوسائل الكفيلة أن تقود الجماهير الصحراوية باتجاه تحصيل ما كان منتظرا من تباشير النصر وتحقيق الحرية والانعتاق ، والتي انخرطت فيها بوعي ومسؤولية وقدمت وتقدم فيها التضحيات الجسام .
ولم يكن خافيا أن مثل هذا الخيار النقدي الداعي إلى تقوية الذات وتحصينها ، وتعزيز الوحدة الوطنية بتجسيدها اتحادا قويا مستوعبا لكل الطاقات والكفاءات وحاضنا لكل المكونات ومستفيدا من كل المسارات ، لم يكن ليجد الترحيب لدى من يعتقدون وبكل أنانية أنهم الأحق بالتتويج ، وأنهم لما يعتقدون في أنفسهم من تميز يجعلهم في غنى عن كل محاسبة ومساءلة غافلين ومتغافلين أن عائلات صحراوية عديدة قدمت أكثر من أربعين شهيدا ، وبعضها قدم أكثر من عشرين شهيدا ، وباستثناء ما يذكره التاريخ لهذه العائلات ، فلا نجد لهم ذكرا في هذا التدافع المحموم لتسجيل عقار قطاع حكومي ما باسم عائلة بعينه.
ولأنه أضحى من الواضح أن كل نزوع نقدي جماعي وإن كان هدفه محاربة الفساد ، وتسليط مزيد من الضوء على التعثرات ، وتفعيل برامج أكثر للتأطير الأيديولوجي ، وإطلاق مشاريع توجه في العمق للنهوض بالمجتمع الصحراوي سياسيا وثقافيا ، والاشتغال المحكم على تغيير الذهنيات ، وتجسيد القطيعة مع كل عوامل التراجع والارتداد بالقبول الواعي بالحداثة والانفتاح على العالم . فإن هذا النزوع المعبر عنه بأشكال متعددة وفي منابر مختلفة وينبئ بما لا تحمد عقباه ، تواجهه أصوات غير منتجة كلما أحست أنه قد يمس من قريب أو بعيد ولو عن غير ترصد وسبق إصرار ما سأطلق عليه "ملكيات النضال العائلية" و " عقار القطاعات الحكومية الأحادي الاسمي " ولذلك تنفرد هذه الأصوات بلعب دور الأستاذية في الوطنية ، والوطن كما نعلم جميعا قضية وجودية ، والدفاع عن الوطن بعيدا عن كل تنميق لفظي مسؤولية فردية ، و الانتماء للوطن والدفاع عنه لم يتعارض يوما وإعمال النقد والمطالبة أن يتحلى الجميع وأولهم المسؤولون الصحراويون بشجاعة النقد الذاتي ، والاعتراف بالأخطاء وعدم التواري وراء جدار ( أنا ابن الشهيد فلان ) . كما أن الحرص على مصلحة الوطن لم يكن يوما بالدفاع عن استمرار الوضع على ماهو عليه بتوزيع التهم المجانية ، وتقديم النفس في صورة الناصح الحكيم مغازلة لزيد وتقربا من عمر . لقد اتضح الآن ، أن ما جرى في ماض غير بعيد من تغيير في المشهد السياسي الصحراوي العام، لم يسهم في القطع كلية مع المطامع الأنانية للبعض، كما لم يتح للزمن السياسي فرصة إتلاف مبررات تلك المرحلة بشكل نهائي رغم محاولات البعض الدفع بقاطرة السياسة والثقافة في اتجاه إنضاج خيارات أقوى نجاعة وأكثر تاريخية . وما من شك في أن إرادة الشعوب لا تقهر ، لكن يجب التذكير أن تاريخ الثورات عبر العالم ، ولن تكون الثورة الصحراوية استثناء ، وقد أكد ذلك زعيم الثورة الصحراوية وقائدها الولي مصطفى السيد في قوله أن من يستفيد منها في النهاية الجبناء والمتخاذلون والانتهازيون والوصوليون والجهل والحاقدون والفارغون ووو، بعد أن يضحي من أجلها الشجعان ، ويصنع مجدها الأبطال .
إن الثورة الصحراوية في حاجة الآن - وضدا على هؤلاء الذين يتشدقون بالوطنية الكاذبة ، والخوف المزيف على الوحدة الوطنية ، والتحذير الزائف من سقوط البعض في منتصف الطريق ، وهم في الحقيقة أول من أشهر في وجه الشعب الصحراوي ورقة الارتداد والانقلاب على المجتمع ومطالبه في الحرية والاستقلال ( والتاريخ شاهد ) ، وهم من يمتهنون محاباة الجمود ، ويعتنقون عقيدة الانتصار إلى ( ابن العم ولو كان ظالما ) ، ويحاربون بكل الوسائل كل المسارات القادرة على تطويع المستعصي ، ومغالبة الانتظارية القاتلة – إلى توقف اضطراري وعاجل من أجل تصويب النظر وتحفيز الإرادات , وإشاعة المزيد من الأمل في المستقبل بتنقية الأجواء ، وتعبيد طرق الاشتغال والتواصل . وترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان .
وأخيرا أذكر فقط أننا لم ندخل بوابة الانتماء للوطن الصحراوي تحت طائلة الإجبار ، ولم نعلن إنتماءنا للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب وسيف طموح شخصي فوق رقابنا .. ولكننا فعلنا ذلك عن قناعة تامة وبعد تفكير عميق وقدمنا ما استطعنا من قرابين العشق للوطن . واليوم ورغم أن كل من تزعجهم كتاباتنا وآراؤنا بدؤوا يغمزون لنا ( أن أرض الله واسعة ) نقول لهم الوطن الصحراوي أوسع وأرحب وصدورنا لن تضيق بمحاربة كل من يحاول سرقة حلمنا بالعيش في وطن حر وديمقراطي وكريم
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة