بعد تصريحه الشهير بداية العام الماضي حول خطورة ظاهرة “التهنتيت” على مؤسسات الدولة الصحراوية، التزم رئيس الجمهورية السيد ابراهيم غالي الصمت حيال السياسة الداخلية، مباشرة بعد حملة تشويه قادها حلف الهنتاتة لارغام الرئيس على التراجع عن أي مسعى لتطهير المؤسسات الوطنية من ظاهرة الفساد، و بعد تصريحه الشهير سن زعماء حلف الفساد معادلة جديدة لعلاقتهم برئيس الجمهورية، وهي معادلة لا تختلف عن المعادلة التي كانت تحكم العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية و نظام الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين أي “النفط مقابل الغذاء”، حيث وضع رموز الفساد رئيس الجمهورية امام قاعدة “الصمت مقابل الرئاسة” وهذا في إنتظار ما ستسفر عنه حرب الكواليس الصامتة التي بدأت قبل موعد المؤتمر المقبل.
فبعد وصوله الى سدة الحكم نفخ الرئيس الجديد في جذوة اشتعال نصر الكركرات حتى بلغ مسامع الامم المتحدة ، خطوة جريئة مكنت الرئيس من تجاوز الكثير من العقبات التي كانت تواجهه في تحمل تركة ثقيلة، وشكلت قفزة نوعية حتمت على لوبي الفساد التخفي لعدة اشهر حتى كاد ينسى، أمام الظهور الواضح للثنائي، رئيس الجمهورية و وزير الدفاع الوطني.
الروح الجديدة التي حملتها الكركرات ضخت دماءا جديدة في كل الجسم الصحراوي، حيث أعطت المبرر القوي لسقف التصريحات الثورية التي اطلقها الرئيس في كل محطة ، تصريحات شكلت آمالاً جديدة راهنت عليها القاعدة الشعبية في التحول من واقع “أطليسة ” بوصف الرئيس ذاته الى واقع الجدية والصرامة لمحاربة الهنتاتة.
لاشهر عدة ساد شعور بالرضى عن كل خطوات الرئيس الجديد التي اتخذها سيما في مجال إعادة الروح والأهمية لجيش التحرير الشعبي الصحراوي، وإيلاءه العناية القصوى المطلوبة شعبيا، وفي كل خطوة للرئيس كان نبض الانتصار في الكركرات حافزاً قويا ودليلا واضحاً على ربط القول بالفعل في ماتقوله السلطة، ووسط كل هذا كان الشعور الوطني ينمو كطائر العنقا من رماد سنوات التسيب والاهمال والفوضى الخلاقة .
بعصى الكركرات شق الرئيس تحكم لوبي الفساد المهيمن وبدأ وكأن الرجل الذي يمشي مع وزير دفاعه، مع تلكؤ بقية اعضاء حكومته لن يتراجع قيد انملة عن وعود قطعها امام العيون التي كانت تحرس الوطن “ذاك ماهو ربهم اللي يعرفو” عبارة رددها الرئيس في نشوة زيارته للمقاتلين المرابطين في الكركرات وتردد صداها في جميع الجسم الوطني الصحراوي، ماخلق إحساسا بالتفاؤل في العهد الجديد .
وفرت الكركرات غطاءاً شرعيا لتجاهل الشارع الصحراوي لخطوات رئيس الدولة البطيئة في معالجة النقص في التسيير الداخلي بالمخيمات، حيث اغمض كثيرين اعينهم عن ذلك التلكؤ طالما ان الكركرات اولوية قصوى في الوقت الراهن، يومها كان لايزال عداد نجاحات الرئيس مستمراً رغم الفشل حتى اللحظة في الخروج من نفق التعيينات بالخارجية التي تحولت الى بيضة الديك
لحظة التفاؤل الممزوجة بالتحدي سرعان ما تبددت مع أواخر ابريل من العام الماضي ، حين تفاجأ الرأي العام الصحراوي بالانسحاب في ربع ساعة الاخير من التقرير الاممي، خطوة ظلت تطبخ في صمت حتى اللحظات الاخيرة ماجعل القيادة نفسها تصاب بإرتباك في تسويق التراجع، بين إعادة انتشار بمفهومها، أم انسحاباً واقعياً بوصف الامم المتحدة نفسها. وضعية حتمت إجتماعا ساخناً لمكتب الامانة الوطنية ونزول جماعي الى القواعد الشعبية لتبرير الفشل انه فرار من ادانة دولية لموقف صحراوي صلب .
مرت أشهر قبل ان يتحول الانتصار في الكركرات الى غيمة صيف عابرة انجلت ولكنها تركت في الواقع بعض الندى على وجه الارض مهما حاول البعض تجاهله ، ومثلما كانت الكركرات بالامس رهان الرئيس في مواجهة تغول لوبي الفساد ، تحولت اليوم الى سهم لوبي الفساد في خاصرة الرئيس.
خصمت الكركرات نقاط من رصيد التفاؤل الشعبي بخطوات الرئيس المتتالية اذ منحت لوبي الفساد فرصة للعودة الى الواجهة بشكل مريب، قد يقود باقي خطوات الرئيس المقبلة، وبعد ما كانت الكركرات غصة في حلق لوبي الفساد تحولت الى تمرة يمكن بلعها والإستثمار في التراجع فيها بشكل يعيد حليمة لعادتها القديمة.
بعد أشهر من التلويح بالعودة الى الحرب والإستنفار الدائم الذي طبع خطوات الرئيس وهي خطوات تراجع معها الظهور المناسباتي لرموز لوبي الفساد، يمنح الرئيس العودة الى الركح للوبي “اتهنتيت” بشكل سيخلط الاوراق من جديد ويعيد الى المواطن الشعور بالخيبة والتخاذل وأن شيئا من احلامه في التغيير قد تبخر.
قاد الرئيس التحدي في الكركرات بتفويض شعبي ومؤزارة منقطعة النظير، واليوم يعود بثناء أممي وخيبة شعبية، مشهد ينبغي التوقف عنده لرسم معالم باقي الخطوات، وحتى لا يتحول التفاؤل بعهد الرئيس الجديد الى الرهان على السراب في صحراء قاحلة.
وبعد التراجع المسجل في الكركرات، جاء القرار الاممي نهاية شهر أبريل الماضي ليضع علامات استفهام لأي مسعى لاعمار المناطق الصحراوية المحررة، وهو ما يعني تأجيل أي خطط لاعمار المنطقة التي اصبحت تحت انظار مجلس الامن الدولي.
و قبل ان تلفظ سنوية الرئيس الثانية في الكرسي انفاسها الاخيرة ، هز الفشل الامني ما تبقى من أمل لدى المواطن بالعهد الجديد، فشل ينضاف الى خيبة التراجع في الكركرات ويجعل من سنتي الرئيس الاولى والثانية امتداداً طبيعيا لسنوات “اطليسة ” التي وعد الرئيس بدفنها الى الابد .
لسنوات طويلة ظل الامن في المخيمات خطاً أحمر مهما كانت الظروف والتحديات ، غير ان سنتين من حكم الرئيس حولته الى ثغرة كبيرة أصابت المواطن باليأس والقنوط ، الآن ومع المساس بذلك الخط الاحمر سيكون على المواطن التفكير جيدا بأمنه الشخصي قبل إنتظار كارثة اخرى.
بعد فضيحة تواري سطوة القيادة امام هجمات مهربي المخدرات اكتشف المواطن انه وحده في المخيمات عليه تحمل فاتورة الصمود بينما تحصد القيادة نعيم المساعدات الانسانية وهي في محمياتها في تندوف الجزائرية بعيدا عن سطوة المهربين، و عن درجات الحرارة بمخيمات اللاجئين الصحراويين التي وصلت لحدود الـ 56 درجة مئوية، وهو معدل أعلى من 50 درجة التي حددتها منظمة الأمم المتحدة كحد أقصى لإعلان حالة الطواريء ، واقع يبدو انه بعيد عن إهتمام رئيس الجمهورية وهو يدخل سنته الثالثه على كرسي الكتابة العامة.
تغيير القيادة الفاسدة هو الحل..
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة