الأخبار -
أخبار وأحداث.
|
الثلاثاء, 26 فبراير 2013 00:11 |
لأن الكتابة علمتني الوعي بلعبة الزمن، فقد أتت كلماتي سوداء تقطر حزنا وغضبا لأني موقن أن الغضب يستتبعه دوما الطوفان، ويفجر في وقت سابق الأسئلة المقلقة من قبيل: هل تستطيع رسالة أن تهز شعبا؟ لأني وأنا أفكر في كل الرسائل التي تبادلنا والتي أصبحت عاجزا عن تحمل هذا الشرخ بيننا، رغم تسلحي برغبة قوية أن تكون جسرا لبلوغ هدفي.. بواسطة كلماتي تمنيت أن أبلغ شبابنا، وأن أنظر في عيونهم وأفهم أنهم يعيشون نفس ما أعيشه.. فقدان التعريف، تعريف كل هذه المصطلحات التي تجتر شعبيا ويستفيد من غموض تعريفها فئة معينة. نعم تأخرت في الرد عليك مضطرا ومتعمدا في نفس الوقت.. تأخرت لأني وجدتني - خارج هذه الرسائل التي تنتمي إلى زمن مضى وولى - قريبا من نفسي.. وجدتني في صلب الحدث.. بعيدا عن كل هذه الأشياء المكتوبة بحبر الغمز واللمز، بحبر المداهنة والمحاباة، بحبر أنت معي إذا كنت نسخة مني، وإلا فأنت خارج التحضير لما ستحضر لجنة التحضير ممن يحق لهم الحضور يوم يحضر لغد سيكتبه الكتبة عن اغتيال الكتاب...
نعم مرة أخرى أقول وجدتني قريبا من نفسي.. وجدتني في صلب الفعل.. في رحم المبادرة والجرأة.. وجدتني في غمرة الحلم الكبير المدمر لقلاع النفاق والمزيح لمتاريس قبلية بغيضة ولأنماط من الأجهزة تحتفي بالركون للصمت في مواجهة كل اختلال وتتبرأ من كل صوت يجهر بسخطه ورفضه... وجدتني في مواجهة مكشوفة مع الأشباح المصرة على استمرار الرؤية المتحجرة للتاريخ وعلى ارتداء أقنعة تسقط في بهو الفنادق الفخمة، وعلى أرصفة شوارع الاحتجاج وهم يترجلون من سياراتهم الفارهة؟ وجدتني أقف على اعوجاجهم وفقرهم الفكري والثقافي، وجدتني أتحسر لكونهم مجرد عناوين في مفكرة من يجيدون لعبة الظهور والتخفي.. من يخططون لمصالحهم الخاصة جدا جدا وليس مصلحة شعب يضحي كل يوم.. وجدتني أستفز فيهم شعورا بالتأزم...
ولكن الأروع أني ورغم كل ذلك وجدتني في فضاء فكر حر يطال كل شيء.. يغير كل شيء... وجدتني في بؤرة البكاء بعفوية وسخاء.. وجدتني في أعماق الابتسامات الحنونة توزع على الجميع دون طمع أو من أجل مجاملات جوفاء.. وجدتني في زمن ومناخ ثقافي انبثق من رحم التاريخ ومن رحم الإنسانية... في مكان معزول ومحاصر بكل أنواع عسكر الاحتلال، وجدتني أعيش لحظة انبعاث حقيقية.. وجدتني أحدث التاريخ مباشرة.. وجدتني أنخرط في التاريخ بشكل مباشر.. وجدتني في هذه المحكمة العسكرية بعاصمة الاحتلال المغربي أمسك بقدري.. وجدتني وطيلة أطوار هذه المحاكمة أنا أيضا أحاكم حاضرا من يتحمل المسؤولية السياسية عما آلت إليه الأوضاع؟ وجدتني أحاكم كل من يحدثنا عن مستقبل وهو فاقد لما يهدينا إياه في الحاضر.. أحاكم كل أولئك المتهافتين على رغد العيش؟ كل أولئك الغارقين في الترف؟ كل أولئك الذين يتابعون المحاكمة العسكرية وهم يفكرون فقط كيف يجنون أكثر من ثورة فقيرة؟ ثورة فقيرة لم تمنع من اغتناء البعض حد التخمة... لقد وجدتني كما قلت قريبا من نفسي وأنا أتابع أطوار محاكمة يخرج فيها المرء عن نفسه.. يضع ذاته فوق المشرحة ويعلن بصوت مبحوح.. مخنوق.. يعلن وهو يتلفت يمينا ويسارا.. يعلن كيف امتدت وحوش آدمية في قبو نتن ومظلم إلى جسده تفتك برجولته.. تمزق رجولته... يعلن الرجل على مسمع من الجميع كيف اخترق أمعاءه قضيب من حديد.. وكيف أجلس على قنينة كوكا كولا ..وكيف نزف دماء جراء عصا غليظة حشرت فيه عنوة... وجدتني لا ابكي.. ولا أصرخ.. ولا أتألم.. وجدتني أكتب صك اتهام ليس فقط لنظام الاحتلال الذي يجب الاعتراف أنها طبيعته عبر التاريخ.. ولكني أكتب صك اتهام عن المسؤولية السياسية.. صك اتهام أولئك الذين بتشجيعهم للقبلية.. بإعلائهم للعمومة والخؤولة على حساب الكفاءة والقدرة المتجددة على العطاء.. أسهموا ويسهمون في تأخير الحل الذين يغني عن المزيد من تحمل العذاب والاهانات.. ما جدوى رسالة لن تهز شعبا؟ ماجدوى رسالة لا تحدد المسؤوليات؟ ما جدوى رسالة تبقي الشرخ بيني وبينك على قدر القرب أو البعد من نافورة تحقيق الأماني بروما على ما أظن؟ في القاعة الكبيرة بالمحكمة العسكرية بالرباط جلست - أنا الممنوع من الكتابة في بيت الكتاب الصحراويين أو حضور مناسباتهم – أبحث عني في محاضر الضابطة القضائية وفي مرافعات النيابة العامة وفي أسئلة القاضي وفي كلمات الدفاع المجلجلة. ولكن لم أجدني سوى في نظرات المعتقلين السياسيين الصحراويين.. وجدتني في كلماتهم العارية، ووجدتني في نظراتهم المستفهمة والباحثة بشغف عن الأجوبة، ووجدتني في هذا الكشف القوي عن لحظات الضعف والهوان بعزة وكرامة، ووجدتني في تلك الدموع الحبيسة التي إن انهمرت قد تجرف معها سنوات من تحمل وتقبل كل ما يقع من حولنا في سبيل هذا الشعب الصحراوي النبيل. وجدتني قريبا من نفسي وقريبا جدا لدرجة تمنحني حق وشرعية جلدها بكل قسوة.. والقول بكل جرأة أني من دموع هذا الوطن الحبيسة.. أني من دموع كل المعتقلين السياسيين الصحراويين الحبيسة والتي لاشك تنتظر لحظة الغضب لتنفجر طوفانا...
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة