ببلوغها عشر سنوات منذ اطل فجرها ذات ربيع كان يعتقده الاحتلال المغربي زاهرا بورود السلام الموهوم، ثلة من ابناء الشعب الصحراوي تهز صمت المقابر وتربك حسابات العدو ورهانات القيادة الصحراوية على سلام فاشل .
21ماي 2005 وبينما كان العدو يشرب نخب الركون لسلام لم يلد سوى الاستسلام لواقع مرفوض، الشباب الصحراوي في العيون المحتلة يقود شرارة انتفاضة شعبية حركت الراكد فينا واحيت جذوة إرادة الشعب الصحراوي التي لن تنثني امام عواصف السلام، انتفاضة الاستقلال حولت شوارع العيون المحتلة وبعدها كل الوطن المغتصب الى نار تحت اقدام الغزات . انتفاضة لا تملك سوى ارادة الحياة رغم جبروت المحتل، يومها هتفت الحناجر “صحراوي صحراوية ايدي فيدك للحرية” . انها صرخة التحدي والقطيعة مع الركون والاستكانة لمهدئات لاتنتهي من المفاوضات العبثية وجولات اللقاءات غير المثمرة فكان الجواب ان الشعب اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر مهما طال ليل الاستعمار. كان التحدي للغزاة وللقيادة... كانت انتفاضة الاستقلال شعبية ضمت كل فئات الشعب الصحراوي فكانت القيادة للشعب وليس للسياسيين، يومها أُسقط في يد القيادة الصحراوية المتقوقعة في “الرابوني” فكان لابد لها ان تنحني امام عاصفة الجمهور الغاضب في انتظار ان تجد سبيلا لركوب المكسب والاستثمار فيه لتغطبة عورتها، كعادتها، هنا بدأ العد العكسي لمحاولة احتواء الظاهرة الثورية ذات الزخم الشعبي الذي قد يهدد سلطة القيادة مثلما افشل رهانات المحتل المغربي، وعند تلك النقطة كان لابد للقوم ان يمسكوا نصالهم لذبح المكسب قبل ان يلد مكاسب اخرى، ويوجد واقع جديد يقطع الصلة بالواقع الراهن حينها، وهو قيادة فاقدة لبوصلة تحقيق المكاسب ومنخرطة في لعبة سلام لغير الشجعان يتغذى على التنازلات الصحراوية والتعنت المغربي .
فجأة ومن بين الشوارع المزدحمة بالمستوطنين وفلول الاستعمار تخرج صرخة صحراوية وصل صداها كل بقاع العالم لتؤسس بعد ذلك لربيع عربي هز العروش واثبت ان إرادة الشعوب قادرة على صناعة المعجزات، فكان مخيم اكديم ايزيك شرارة الربيع العربي ورسالة المستضعفين: ان حق القوة لايمكنه هزيمة قوة الحق.
وجه الانتفاضة البهي صورة حاولت قيادة البوليساريو التبرك بها فكانت قوافل وفود الحقوقيين التي تزور المخيمات كل حين اشبه بماء بارد ترش به القيادة الشعب المكلوم . ليمارس بعد ذلك مكتب كناريا دور القديس الذي يوزع صكوك الوطنية بين آهالينا في المدن المحتلة وهو ما اضعف شوكة المتحمسين لفعل نضالي منبعه الروح والقلب وليس أوامر القيادة .
وجه آخر لانتفاضة الاستقلال يحاول الجميع تناسيه ولكنه الحقيقة، لقد اوجدت الانتفاضة وفي غمضة عين رموز اغلبها لم يصيبه داء الثروة بدل الثورة، وبعضها ركب الموجة واخذ الموضة بماركة تجارية ليستثمر رفقة القيادة الصحراوية في نعيم الثورة الشعبية فاضحى مليونير ثوري من معاناة البسطاء الذين ينزلون الى الشارع في كل حدث، يهتفون للثورة على الخنوع والقطيعة مع المحتل، يقتلون او يسحلون بينما يقطف بعض الرموز الثروة ويوزعون تذاكر السفر على اقاربهم اسوة بالقيادة الصحراوية في كل مشاركة دولية.
امام هذا الواقع لا احد كان يهتم للمهمشين الثائرين وللمعوقين ضحايا التدخل الهمجي ولا أنين الثكالى، وصل للرابوني وحدها ماتسمى الرموز توزع صكوك الوطنية وتقتسم الريع وحتى تقسم الناس وفق هواها بين المناضل الحر والمندس المدسوس لتقويض حراك الشارع، وكانت الكارثة الكبرى عندما وظفت القيادة الصحراوية نشطاء الانتفاضة من اجل التصدي لحراك الشارع الصحراوي المعارض للقيادة وفسادها، عام 2011. فبعد فشل دعايتها الكاذبة استنجدت القيادة بنشطاء الانتفاضة حيث صرفت اكثر من 200 الف يورو على ندوة اسكات الشباب التي احتضنتها ولاية الداخلة وشارك فيها 100 من النشطاء الحقوقيين، وهي المحطة التي كان لها تأثيرها السلبي على صورة نشطاء انتفاضة الاستقلال بمخيمات اللاجئين الصحراويين وانعكس ذلك على عدد مستقبلي الوفود الحقوقية التي تزور المخيمات من عشرات الالاف اثناء زيارة وفد مجموعة النشطاء السبعة الى بضع عشرات مع الوفود التي اعقبت ندوة الداخلة. فكانت الفضيحة والحجرة التي ارادت بها القيادة الفاسدة ضرب عصفورين بحجر واحد: تقزيم الحقوقيين، وضرب الشباب المعارض...
عام 2005 كان تاريخا مفصليا في مسار القيادة الصحراوية، لانها لاول مرة تجد ان عرش زعامتها اصبح مهددا من الاجيال الجديدة التي ترعرعت تحت نير الاحتلال المغربي وبعيدا عن سلطتها، وفي اقل من سنة على بدء الانتفاضة اصبحت أسماء رموزها هي حديث العام والخاص خاصة بمخيمات اللاجئين الصحراويين، حينها شعرت قيادة الرابوني ان عرشها اصبح مهددا فكان لابد من العمل على احتواء الانتفاضة لاظهارها للمواطن البسيط بانها صناعة قيادية خالصة وان رموزها يدينون بالولاء للقيادة العاجزة في الرابوني، فكان الحل السحري والخبيث الذي تمخض عنه الفكر القيادي هو توظيف اموال الشعب الصحراوي في الحراك الثوري بالمناطق المحتلة، وبعد سنوات اصبح عدد النشطاء الذين يزورون الفنادق العالمية اكثر من اولئك الذين ينزلون الى الشوارع، وهو ماكانت تريده القيادة حيث اظهرت النشطاء للرأي العام الصحراوي بانهم عاجزين عن مواصلة الطريق دون الاستنجاد بقيادة الرابوني، هذا الى جانب العمل على اذكاء النعرات القبلية بين النشطاء الحقوقيين من اجل التحكم في اي حراك مستقبلي قد تشهده المناطق المحتلة.
ورغم كثرة الاصوات المناضلة التي حذرت من تغيير سكة المسار مثل رسالة السجناء الصحراويين في سجن بولمهارز سابقا للقيادة الصحراوية، ورسائل بعض الرموز الى رئيس الجمهورية شخصيا ، على راسهم المناضلة مثيق خديجة... مع الكتابات النقدية في مآل الانتفاضة وتفسير ركون الحراك في الشارع الى السكون بعد الزخم الكثير في السنوات الاولى لانتفاضة الاستقلال، والتي كان على راسها مقالات الاستاذ مصطفى عبد الدائم... الا ان ذلك كله لم يحرك ساكنا لدى القيادة الصحراوية التي وجدت نفسها في تناقض بين خطابها الحماسي الموجه عبر المنابر الرسمية للارض المحتلة وبين ممارساتها الهدامة والقبلية والتي كانت كارثية على وحدة صف الانتفاضة.
وكانت مواقع صحراوية مستقلة كثيرة، وعلى راسها صفحة خط الشهيد، وبعض النخبة قد حذروا مرارا وتكرارا من أن التدخلات غير المحسوبة للقيادة الصحراوية في حراك الشارع الصحراوي داخل المدن المحتلة من شأنها تشويه رمزية الفعل النضالي والتاثير عليه اما بالترغيب او بالترهيب لكن لاحياة لمن تنادي.
عشرة سنوات تمر وانتفاضة الاستقلال مكسبا لاشك فيه، لكن ضرورة التقييم الحقيقي والنقد الذاتي تتطلب الوقوف عند الحقائق دون تزلف لاي طرف او محاباة على حساب القضية الاسمى من الرموز والاشخاص، فهل تستخلص القيادة الصحراوية دروسا من استماتة الشارع في المدن المحتلة؟، وهل تنزل رموز انتفاضة الاستقلال من ابراجها العاجية ومن السموات التي باتت تعيش اغلب وقتها فيها اكثر من الميدان؟، ام ان الكلام في انتفاصة الاستقلال حكرا على البعض دون الكل رغم ان الكل هو الذي اشعل شرارة المكسب كي تظل إنتفاضة الاستقلال الشجرة التي تغطي عورة تقاعسنا؟. ام ان القيادة ستواصل متاجرتها بالانتفاضة، مثلما تاجرت باربعين سنة من معاناتنا بالمخيمات...
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة