لعل القاسم المشترك الاكبر بين الدول التي نراها الان عرضة للتفكك والحرب الاهلية و الفشل، انها دول خضعت جميعا لحكم الفرد الذي امتد لعقود طويلة، عقود جرفت المؤسسات وشوهت وللشلة وللقبيلة او الطائفة، واستشرى الفساد وتقدم الانتهازيون و تأخر المخلصون الا من رحم ربك وهم قليل. وما من شك ان الفشل اكبر في الدول التي حكمت بالمزاج والهوى والقبيلة .
يبدأ الحاكم -عادة- في اول حكمه مخلصا وصادقا، وراغبا في التغيير نحو الأفضل، فيضم اليه اهل الرأي والخبراء في شتى المجالات، ولا يلبث ان تظهر نتائج عمله، غير ان الغرور يتحكم فيه شيئا فشيئا ،فيتخلص من اهل الكفاءة ويحوز اهل الولاء الذين في الغالب لا مواهب لهم سوى نفاقهم وتملقهم وتبدأ وسائل الاعلام في صناعة الصنم فتسبغ عليه القابا وصفات لا تليق بالبشر، فيبدأ الانحدار .
ترى لو كان السيد لولا داسيلفا رئيس البرازيل السابق، رئيسا لاحدى الدول العربية وصادف نفس النجاح الذي حققه في البرازيل هل كان سيحترم الدستور ويكتفي بعهدتين كما فعل في واقع الحال؟ ام كان سيكون له تصرف اخر؟ كأن يعمد الى تغيير الدستور بحجة متابعة مشروعه وبرنامجه والحفاظ على النجاح والتنمية والاستقرار وكل الاشياء التي حدثت في عهده. ليس الجواب على هذا السؤال الافتراضي بالسهولة التي قد يبدو عليها. فالمسألة معقدة نوعا ما تتداخل فيها الثقافة والتنشئة غير ان نظرة الى حال البرازيل القريبة من حالنا والى ما حصل بالفعل قد يكون الجواب نعم سيحترم الدستور ويكتفي بعهدتين، اذ ان الرجل وجد هناك من يقنعه بتعديل الدستور من اجل عهدة اخرى او ربما فتحها حتى يستطيع استكمال مشروعه، بل خرجت مسيرات عفوية حقيقة لا فبركة، تدعوه الى تعديل الدستور والترشح مرة اخرى، غير ان الرجل اعتذر لمحبيه بأدب، وآثر الانسحاب تاركا المجال لآخرين يبنون البرازيل مثله او افضل منه ، محافظا على هيبة بلده ودستورها من العبث .
ترى لو ان السيد رجب اردغان والذي حقق لبلده تركيا نتائج باهرة في الاقتصاد وغيره وضاعف دخل الفرد فيها مرات ومرات وحولها الى دولة مدنية بعد ان فرض على الجيش الانسحاب من السياسة والتكفل بمهمته الدستورية فقط ،لو انه اكتفى بعشر سنوات وتنازل لآخر من حزبه يقوده ومعه تركيا الى مزيد من النجاح، مثلما فعل الوزير الاول البريطاني توني بلير، فرغم النجاح الكبير الذي حققه ايضا لبريطانيا ورغم ان لاشيء دستوري يمنع الاثنين من الترشح مرة بعد الاخرى – ليس لبريطانيا دستور مكتوب – هنا تدخل الثقافة ايضا والتربية، فقد ادرك بلير انه وصل القمة واعطى كل ما عنده ، وانه بعد الان سوف يكرر نفسه ،وربما يفشل وبالتالي يمحو ما حققه من قبل، والامور بخواتمها. لو فعلها اردغان هل كان سيواجه هذه المشاكل الان وفضائح الفساد المتفجرة، والانقسام الحاد الذي يشهده الشارع التركي تأييدا او رفضا للرجل الذي كان قبل اشهر فقط محل رضا واجماع من شعبه ومالئ الدنيا وشاغل الناس؟
ترى لو ان بورقيبة وهو يخوض غمار تحديث المجتمع التونسي وعصرنته والذي حقق فيه نتائج باهرة، اضاف الى انجازه التداول السلمي على السلطة عوض التمسك بها مدى الحياة. هل كان سيظهر نموذج بن اعلي وليلى الطرابلسي وعائلتها التي دفعت سياستها وفسادها شابا كالبوعزيزي الى حرق نفسه يأسا واحتجاجا؟ وكان ما كان.
ترى لو احترم بوتفليقة الدستور الجزائري، واكتفى بعهدتين واشرف بنفسه على انتقال سلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة، هل كان سيكون وضع الجزائر كما هو الان؟ ان بوتفيلقة يكرر خطأ بورقيبة، حاكم مقعد يشله العجز والمرض يحيط به من الاطباء اكثر من المستشارين والوزراء . حقق بوتفليقة لبلده الكثير في كل المواقع التي شغلها وخاصة في رئاسته امنا واستقرارا و عزة، غير انه منذ العهدة الثالثة لم يضف جديدا، بل كانت عهدة للمنتفعين والفاسدين، ان عهدة اخرى ستعرض استقرار الجزائر للمجهول لا قدر الله، من خلال الخصومة بين المؤسسات والاستقطاب الحاد في الشارع الجزائري.
ترى لو ان مبارك اكتفى بعهدة او اثنتين خاصة وان الشواهد تبرز نجاحه في العشر سنوات الاولى من حكمه، غير ان طول البقاء افقده الاحساس بالشارع وتطلعات شعبه وانغمس مع بطانته في تحويل نفسه الى فرعون اخر والتهيئة لتوريث مصر لابنه تلبية لرغبات زوجته. ما جعل مصر تنقلب عليه وتدخله السجن ولازالت فصول الدراما المصرية تتابع كأطول دراما في تاريخ مصر.
ترى لوان علي عبد الله صالح اكتفى بعهدة بعد تحقيق الوحدة اليمنية واسس لحياة سياسية تكفل المساواة بين جميع اليمنيين و قام ببناء مؤسسات دولة تحفظها من السقوط والتمزق وليس تقسيمها على القبائل حسب الولاء، ما جعل اليمن دولة فاشلة مرتعا للارهاب والتشرذم، الشيء الذي استفز شبابها الى الاعتصام والتظاهر واشتراط رحيله هو وتطهير الدولة او شبه الدولة بعبارة اصح من بقايا عائلته.
ترى لو ان محمد عبد العزيز اكتفى بعهدة بعد وقف اطلاق النار ساهم فيها في دفع الدولة والتمكين لها وفرضها كأمر واقع لا رجعة عنه، تحرج العدو وحلفائه المتشدقين بالديمقراطية وتقدم نموذجا للعالم على احقيتها بالوجود، عوض الاستمرار في الحكم من خلال المحاصصة القبيلة، ما عرض الوحدة الوطنية للخطر واسفر عن تردي اداء المؤسسات كافة بعد ان اطمأن الوزراء والسفراء والمدراء والجميع انه معين بالحق القبلي، فأمن الحساب والعقاب، وكان ما كان. .
لن افترض التغيير في القذافي والأسد فهذين رجلين تجاوزا المعقول فالاول حكم ليبيا بمزاجه وابتدع العبث في السياسة ونظَر له، والثاني ورث رئاسة بلد من اعرق البلدان دون ان يرف له جفن وكأنها ملك ابيه.
ما لم تسود المؤسسات وتتحكم ويحترم الدستور،ونقتبس من الشعوب افضل نماذجها في الحكم، سنظل ندور في حلقة مفرغة وسيكون "حرث اجمل" مصير اي جهد وأي عمل، والحديث هنا عام وعن حضارة كاملة لا عن شعب بعينه.
.بقلم اسلامة الناجم، مع تصرف في العنوان
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة