نبذة قليلة عن هذا القطب الرباني الشيخ حماه الله، رضي الله عنه وارضاه.
الشريف الشيخ حماه الله:
هاجر رجل من شرفاء تيشيت هو الشريف سيدنا عمر ولد احماه الله اسري، نحو مالي منتصف القرن الثامن عشر، لنشر تعاليم الإسلام وسط المسلمين المتواجدين بتلك المنطقة، خصوصا منطقة ديكة حيث توفي هناك ويوجد بها ضريحه اليوم، وكان شيخ تربية من اتباع الطريقة القادرية، معروف بالتقوى والصلاح. وقد تبعه الكثيرون. وكان لديه ثلاثة ابناء، هم محمدو، شيرف واحمدو. اكبر ابنائه محمدو يرافقه ولا يفارقه، وكان بارا بوالده، ولما كٌشف له ان الولي الصالح المنتظر سيكون من صلبه، ولكنه لن يحضر لحياته، وعرف ان والده هو إبنه محمدو وانه سيزداد في منطقة كمبا صاغوا ذهب بإبنه إليها وتركه هناك طالبا منه البقاء فيها وعدم مغادرتها.. ومما يؤكد ذلك انه في سفر مع عائلته إختلفوا الطريق، وقد مرض الطفل محمدو مرضا شديدا واصيب بقيء كثير مما جعل امه تخاف وتحتج على زوجها سييدنا عمر لما التقو بعد ذلك قائلة له الولد بين الموت والحياة وانت ضليت عنا ولم نعرف مكانك، فأخذ بيد الطفل الصغير، إبنه محمدو وقال لها انت خائفة على إبنك هذا من الموت، هذا لن يموت قبل ان يخرج من صلبه ولي صالح لا مثيل له لا في الشرق ولا في الغرب. وكان يزور إبنه بكمبا صاغو من وقت لآخر. وبعد وفاته بقرابة عشر سنوات، إلتقى محمدو بوالدة الشيخ حماه الله وهي كورية من فلان، تسمى عايشاتو اديالو وتزوج منها بكمبا صاغو، وليس هناك من يعرف، إلا قلة من ابنائه، الصدفة التي جمعت بينهما، ورزق منها بالولي الصالح حماه الله، وقد اعطاه إسم جده...
كيف تم ذلك اللقاء؟ وكيف قدمت هذه المرأة على كمبا صاغو وهي ليست من سكان المنطقة؟ فهي اقرب لفلان ومن منطقة واصلوا وشابة صغيرة في مقتبل العمر، الله وحده الذي يعلم الإجابة عن هذه الأسلة... له أخ واحد إسمه سيدنا عمر.
الشيخ حماه الله رضي الله عنه وارضاه، ولي صالح من شرفاء تيشيت، إشتهر يمعاداة الإستعمار الفرنسي، حيث رفض التعامل معهم او الخضوع لهم او الوقوف ببابهم لطلب ودهم او مساعدتهم مثلما فعل الكثير من علماء وشرفاء البيظان، ورغم انه لم يحمل السلاح ضدهم او يدعوا لذلك، مثل ما فعل الشيخ ماء العينين بشمال ارض البيظان، فقد حاول الفرنسيون بكل ما أوتوا من قوة وجاه وسلطة إخضاعه لرغباتهم، ولما فشلوا إستخدموا معه العنف حيث سجنوه في المذرذة جنوب موريتانيا وبعد ذلك، سجنوه بساحل العاج، وقد دامت فترة منفاه عن موطنه 10 سنوات، قبل إرجاعه لموطنه انيور. ولكن مشكلتهم هو انه اينما وضعوه يكسب اتباعا جددا يناصرونه ويعادون الإستعمار الفرنسي... قبل منفاه الأول كان لديه 3 ابناء وثلاث بنات، هم:
سيدنا عمر الملقب بابا، وامه خيتي منت الطالب شابا، من قبيلة تنواجيو.
أشريف احمد، امه لالة منت سيدي ولد اعلي، ولقبها منت لعبيد. من قبيلة اولاد الناصر.
الشيخ سيد احمد، وامه مريم بويا احمد، من شرفاء تيشيت، وهو الشقيق مع اخته، فاطمة المعروفة بتوتو وهي اكبر منه..
زينب المعروفة بالنوهة، وامها فاطمة منت بابا، من لادم. وهي مؤسسة دار السلام قرب العيون وقبرها موجود بها.
آمنة، وامها منينة منت أبوقاش، من قبيلة اولاد الناصر، اهل احمد لمراح.
وبعد المنفى الأول، إزداد له 3 ابناء ذكور هم:
الشيخ سيدي الطاهر، وامه أمانة منت سيدي بوبكر، من اهل مولاي الزين.
محمدو وامه فاطمة منت اعلي لكحل، الملقبة ب: كماشا. من قبيلة اولاد امبارك العربية.
ابو بكر، وامه كلتومة سيدي بوبكر زيدان، من اهل مولاي الزين. وهي شقيقة ام سيدي الطاهر.
وكان منفاه الأول قد تجاوز 10 سنوات، قضاها ما بين باماكو اندر المذرذة، اندر، دكار كوناكري أبيدجان، بمدينة ادزوبي Adzope 150كلم شمال شرق ابيدجان. وقد نقلوه من دكار الى ساحل العاج في الباخرة، وسجنه في ساحل العاج، كان رهيبا حيث الحراسة مشددة وربما وضعوا القيود والسلاسل في اقدامه الشريفة، ولا يسمح بزيارته ولا بلقاء أحد عكس معاملتهم معه في المذرذرة. ورغم ذلك فقد شارك في الصلاة على جثمان والدته رحمها الله، حيث اخبر احد الحراس من اولائك الذين يحترمونه، انه ذاهب لحضور جنازة والدته بانيور، ولكن إذا سألوا عني فافتح باب الزنزانة وستجدني هناك بإذن الله. ولقد شاهده بعض تلاميذته اثناء صلاة الجنازة على والدته، ولكنهم لم يعرفوه، بينما قام بعض الجواسيس بإيصال الخبر للسلطات الفرنسية بنيور التي اتصلت بدورها بالسلطات في دكار مستفسرة إن كان الشيخ قد اطلق سراحه فقد شاهدوه يشارك في جنازة والدته بانيور، واهل دكار سألوا بدورهم اهل ادزوبي، الذين توجهوا مباشرة للسجن، وسألوا الحارس الذي يعرف الخبر اين هو حماه الله؟ فقال لهم هو في زنزانته، فقالوا له افتح لنا لنراه، فلما فتح الباب وجدوه في الزنزانة، فقال لهم الحارس ما الخبر فاخبروه ان هناك من اخبرهم انه كان اليوم في انيور يصلي على والدته المتوفاة، فقال لهم الحارس نعم، لقد قال لي بانه سيتوجه لحضور جنازة والدته التي توفيت... فسبحان من يختص برحمته من يشاء، وهو ذو الفضل العظيم... وخلال منفاه الأول لم تصل السلطات لعائلته او منازله او مكتبته او زاويته أو املاكه إلى ان رجع لهم سالما بعد اكثر من عشر سنوات من المنفى والبعد عن الأهل والوطن والأحباب...
وكان يرافقه طيلة رحلته في المنفى إبن خال والده المسمى: أحمدو ولد سعدي، من طلبة تيشيت، اهل المين بن الحاج.
فقد كان الشيخ حماه الله، رضي الله عنه وأرضاه، شريفا ورعا تقيا عابدا يعرف ما بينه وبين ربه صواما قواما، كان بخلاصة ولي كبير من اولياء الله الصالحين، فقد حكى لي ابناء الشريف الفاضل محمد فاضل، باجريف، ان والدهم قبل وفاته قد إنتقل من اجريف موقع سكن الأهل والقبيلة بعد ذلك، إلى مقر وفاته المعروف اليوم بالزيارة، حيث شيد منزله الذي ما زال قائما حتى اليوم، وقصة هذا المنزل ان رجلا مغاربيا، قادما من تلمسان، إسمه الشيخ سيد محمد لخضر، وهو المختص في البناء، طلب من الشيخ ان يبني له منزلا بشرط ان يحقق له ما يريد فوافقه الشيخ محمد فاضل، ولما اتم بناء المنزل، قال لخضر للشيخ: لقد اكملت الدار ولم اجد ما كنت انتظره، فقال له الشيخ الدار إنتهت، وما تريده قريب منك، وانت لم تبايعني، فقال له التلميذ ابايعك على شرط ان توصلني عبر الطريقة التجانية. اوافقك، يقول له الشيخ، على شرط التراجع عن ان الطريقة التيجانية هي افضل من غيرها، وان اهلها لا يزورون إلا موتى التيجانية، فذلك مخالف حتى لتعاليم الشيخ سيد احمد التيجاني رحمة الله عليه الذي يقول : زوروا في الله وأوصلوا في الله اولياء الله، فإن اولياء الله مفاتيح غيب الله، ومن اعرض عن ولي زمانه فكأنما اعرض عن نبي زمانه، فهذا طبع عليه بطابع الكفر، وذلك طبع عليه بطابع الحرمان والعياذ بالله... وزوجه بإحدى بنات إدايشلي، من أهل الجيد، ورزق منها بنت أسماها على امه: لالة..
فناداه الشريف الشيخ محمد فاضل يوما ليقول له صاحبك ( حماه الله) إزداد الليلة.. بعد خمس سنوات من ذلك توجه التلميذ نحو ولاتة ووصل انيور، فتعرف على الشيخ حماه الله، وهو طفل طبقا للأوصاف التي اعطاه إياها الشيخ محمد فاضل ولد محمد، ولما قضى معه بضعة ايام رجع إلى اجريف، إلى أن اتم الولد حماه الله 15 سنة رجع إليه في انيور واعطاه الطريقة التيجانية، وبقي معه إلى ان توفي بعد ذلك بقليل وقبره موجود في انيور... هذا ما سمعته من اهل اجريف...
اما الرواية التي سمعتها من فم الشيخ الشريف محمدو ولد الشيخ حماه الله بباماكو، وقد سمعها شخصيا من فم محمد عبد الرحمان ولد اهل المخطار،، قبيلة لغلال، وهي اكثر مصداقية لآنها واردة من طرف اقرب الناس إلي الشيخ لخضر ومن الذين رافقوه طويلا حتى وفاته، فقد قدم عليهم الشيخ سيد محمد لخضر وسكن في حيهم من الأغلال وتزوج منهم وتتلمذ عليه الكثير منهم. وهو كذلك من ربى الشيخ محمدو، ووالده من الرضاعة وهو الذي اعطاه الورد، وتربى على يده، وعاش معه حتى دفنه بيده في مقبرة انيور، فقد قال له ان الشيخ لخضر قد قال له شخصيا: وكان محمد عبد الرحمان هذا من اقرب تلاميذته ومريديه، وكان نفس الشيء مع الشيخ حماه الله لما قدمه لهم الشيخ لخضر، ولم يكن من اولئك الذين رفضوا اإعتراف بولاية الشيخ حماه الله: الشيخ لخضر من تونس الخضراء، وكانت مهنته الصيد، وقرب تلمسان بالغرب الجزائري، توجه ذات يوم للتزود بما يحتاجه من زاد وتموين، وفي المدينة مر بجلسة السيد الطاهري ابو طيبة التلمساني، مريد الشيخ التيجاني وأحد خلفائه، يقدم الوعظ والإرشاد لبعض جلسائه من الطلبة والتلاميذ، ووقف يستمع للحديث فاغمي عليه متأثرا بدعوة وموعظة السيد الطاهري، هذا الآخير الذي دخل منزله بعد ان اتم درسه، وسأل عن عابر السبيل، غريب الأوطان الذي وقع مغشيا عليه بعد أن استمع لدروس الموعظة، وطلب منهم إدخاله عليه، فساله من انت؟ ومن اين؟ فرد عليه فصة حياته، فقال له ابوطيبة، هل اصبحت بخير الآن، قال له نعم لقد تعافيت، فودعه وقال له الآن تستطيع الذهاب حيث تريد، فرد الشيخ لخضر قائلا: لا اريد الذهاب وأريد ان اكون احد مريديك. فإذا به امي جاهل لا يعرف كيف تكتب الآلف، فطلب من معلم الصبيان، تعليمه الكتابة والقراءة، وحزب سبح... وبعد ذلك قدمه وجعله خليفة، اعطاه مصحفا كريما فقال له إقرأه: فالنظرة الأولى حمقى، والمرة الثانية لم يعد يتذكرها الشيخ محمدو ولد حماه الله، الذي يحكي الرواية، والمرة الثالثة قال له لا تتجاوز الكلمة من دون ان تفهمها وتعرف معناها، فحفظ القرآن وأصبح من المختصين في تفسيره، فسبحان العليم الحكيم، الذي علم الإتسان ما لم يكن يعلم، وقد اكد لي الشرفاء من ابناء حماه الله انه شريف النسب وانه كان يكتب بإمتياز... واعطاه السيد الطاهري ابو طيبة كتاب جواهر المعاني للشيخ سيد احمد التجاني، وطلب منه الخروج من هذه الأرض التي نحن فيها... وما عدا ذلك من الأسرار الربانية التي قال له والمتعلقة بالبحث عن الولي القادم والقطب الرباني الشيخ حماه الله، لم يقله لأحد. إلا ان المؤكد انه قد قدم لمنطقة أجريف واعطى معهم سنوات وتزوج منهم ورزق بإبنة سماها على أمه:لالة، وقد تزوجت من احد رجالات إداواعل من اولاد السنهوري ورزقت منه عدة ابناء، بعضهم يزورون انيور وشرفائها من ابناء حماه الله، حفاظا على العلاقة التاريخية الموجودة بين جدهم وهؤلاء الشرفاء... ومن المؤكد كذلك انه قدم لولاته في إطار يحثه عن الشريف حماه الله، فقال له أحد شرفائها وهو السيد سيدي محمد ولد مولاي اعلي: ما تبحث عنه ليس هنا، بل في الجنوب، فقال له بالدارجة المغاربية: انت املي باخبيزتك... ووصل مخيم لأولاد موسى من لغلال في منطقة الفلانية، حيث تزوج فيهم وتتلمذ عليه الكثير منهم وعلى راسهم محمد عبد الرحمان ولد اهل المخطار الذي لم يفارقه حتى وفاته، ولما بلغ الشيخ حماه الله 23 سنة إلتقى به الشيخ لخضر وعرفه، فقدمه لجميع التلاميذ واعترف به شيخا له وإماما ولكل التجانيين، منهم من صدق بذلك ومنهم من انكر، اما هو فظل ملازما له وطائعا إلى ان وافته المنية ودفن بمقبرة انيور. فقد اكد لي الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله، انه في بداية 1323هج لم يلتقي بعد بحماه الله، وحماه الله مزداد سنة 1300 هج، وأضاف الشيخ محمدو ان الطريقة الحموية مرتبطة بالطريقة التجانية، ولا يمكن لحموي ان لا يكون تجانيا، بينما يمكن للتجانيين ان لا يكونوا حمويين، وان تلاميذة الطريقة التجانية الحموية في مالي وحدها اكثر من 3 ملايين تلميذ، فما بالك بأتباعها ومحبيها ومناصريها وما اكثرهم لله الحمد وله الشكر. ففي بوركينا فاسوا وحدها اليوم اكثر من 700 زاوية حموية قائمة بذاتها وعامرة، بشيوخها ومريديها وتلامذتها... وما يثير الإنتباه هو ان هذا الشريف لخضر قد كان مقتنعا بدوره في إصال الرسالة لصاحبها حماه الله، حيث تحمل المصاعب والمشاق والمتاعب في زمن لا نقل فيه ولا امن، والارض صحبة والحياة قاسية ومرعبة، وصحراية ومتنقلة كأهل بادية وإن ذلك لكم لشيء عصيب على من تربى في نعيم الشمال وخضرتها وكثرة مياهها، فإذا به بين عشية وضحاها في فيافي الصحراء القاحلة والصعبة والموحشة والتي لا ترحم يبحث عن ولي صالح سيظهر في هذه المنطقة، ولكن قوة الإيمان والإرادة تتحطم امامه كل الصعاب فرحمة الله على الشيخ لخضر وعلى كل المخلصين الأوفياء للصدق ولأولياء الله الصالحين، نفعنا الله ببركتهم أجمعين..
على يد الشريف الشيخ حماه الله، الولي الصالح المشهور بمعاداته ومواجهته للمستعمر الفرنسي، وهو من شرفاء تيشيت، إنتشرت الطريقة التيجانية الحموية. وكان أول من ادخل الطريقة التيجانية لأتراب البيظان هو: الشيخ محمد الحافظ من قبيلة إداوعل، المتوفى سنة 1832م. واصلت فرنسا معاداتها لهذا الشريف والولي الصالح، حيث لفقوا تهما لأبنائه والعديد من تلاميذه واقاموا لهم محاكمات صورية، حكموا على العديد منهم بالإعدام بما فيهم إثنين من ابنائه، ظانين انها الطريقة الوحيدة التي يمكن لهم من خلالها اركاع هذا الولي الصالح وجلبه لمكاتب الفرنسيين متوسلا طالبا العفو عن ابنيه وتلاميذته المحكوم عليهم بالإعدام، ولكن خابت امالهم فقد انتظروا طويلا، فالولي الصالح ثقته ويقينه في ربه لا يطلب ولا يستجدي غيره لذلك طبقوا حكم الاعدام في المحكوم عليهم، وبعد ذلك إختطفوه، إنتقاما منه وحرقوا مكتبته ودمروا مساكنه وصادروا املاكه ومن بينها اربع سيارات، واحدة منها لجودتها، كان يستخدمها والي خاي. وبقي مصيره مجهولا حتى اليوم يتحمل الاستعمار الفرنسي كامل المسؤولية عن سلامته وحياته... ولقد قال الفرنسيون: ان اكبر عداوة ومقاومة وجدوها خلال إستعمارهم لغرب افريقيا هو الشيخ ماء العينين والشيخ حماه الله والرقيبات...
كان الشريف الشيخ حماه الله نبراسا في التسامح في كل الأمور وكان من اولئك الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، وكان رضي الله عنه وارضاه، لايرد على من يهاجمه ويذمه ويعتدي عليه ما عدا بطلب الله له الهداية... ومن المعجزات التي خصه الله بها زيادة على الشيخ الخضر الذي قضى 30 سنة في البحث عن الشريف حتى قبل ازياده، وشهادة الرقيبي الولي الصالح ولد لبصير المعروف باوايا، ان فرس الحكمة والسر الرباني ظلت تائهة بعد وفاة الشيخ ماء العينين، لتتوجه بعد ذلك نحو الشريف حماه الله، وحاسي باماكو لدى المنزل الذي اقام به في طريقه للمنفى الأول من طرف الفرنسيين، وكان لديهم حاسي بالمنزل قليل المياه ويشترون الماء، فلما سالهم، صب فيه وضوءه، ومازال حتى اليوم مملوءا ماءا ويشرب منه حتى الجيران، ونفس الشيء عن بئر ارواية قرب النهر في انيور حيث وضع فيه الفرنسيون السم لقتل البئر ولمنع الناس من شربه والتواجد قرب الشريف، فلما اخبروه بذلك، تفل فيه، وما زال حتى اليوم يشرب حلو عذب، وقد شربت منه خلال زيارتي لأنيور. أضف لكل هذا، انه وهو صغير كان لا يرضع ثدي امه في شهر رمضان إلا بعد غروب الشمس او ليلا، وذات مرة إختلفوا حول عيد الفطر، فقال والده لأمه نظفي ثديك واعطيه للصبي حماه الله، فرضعه، فقال لهم والده اليوم هو عيد الفطر وبعد ساعات جاءتهم الخيل لتخبرهم ان الهلال قد شوهد البارحة فوجدوهم قد افطرو، فسبحان الله. ونسبه الشريف هو كما وجدته في كتاب الياقوت والمرجان في حياة شيخنا حماية الرحمان: حماه الله بن محمد بن سيدنا عمر، حمى الله، الشريف احمد، محمد، سيد الشريف، أمين الله، محمد الشريف، احمد العباس، الفضل، سيف القضاء، سيف الله، حمى الله، هدية الله، يحي، عبد الرحمان، ابراهيم، ادريس، محمد، عبد المؤمن، عبد الله، محمد، احمد، علي، محمد، القاسم، حمود، ميمون، علي، عبد الله، عمر، مولاي ادريس الأصغر، مولاي ادريس الأكبر، عبد الله الكامل، الحسن المثنى، الحسن السبط، بن علي كرم الله وجهه، وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا اقدم جزءا من الدراسة التي قدمها الدكتور سيد احمد ولد الأمير عن المنفى الأول للشيخ الشريف حماه الله والذي بدأ من المذرذرة، لما له من اهمية ومرجعية تاريخية مفيدة.
الشيخ حماه الله في منفاه الأول.
لو سارت بك قدماك إلى الجزء الجنوبي الشرقي من مدينة المذرذره حيث الگود (الغور)، وتوسطت المباني الموجودة شرق مدفن المدينة، وسألت أحد السكان فسوف يقول لك .. هذه هي "التيشطاية" التي كان الشيخ حماه الله يستظل بها، وها هو أساس دار الطين التي كانت سكناه، خلال السنوات الأربع التي قضاها في منفاه بالمذرذرة.
إن الجزء الجنوبي من گود المذرذره يشكّل بالفعل جزءا حيويا من الذاكرة التاريخية الموريتانية، شأنه في ذلك شأن الكثير من المواقع الموجودة بهذه المقاطعة، والتي هي بحاجة إلى التعريف بها وتسليط الضوء عليها ومعرفة ما حصل بها، حتى نساهم في كتابة تاريخ هذه المدينة العريقة، التي تستحق علينا مزيدا من العناية.
الإدارة الفرنسية والبحث عن حل.
كان الشيخ حماه الله قبل وصوله إلى المذرذره في 24 يوليو 1926، قد سبقته مراسلات كثيرة بشأن نفيه، مراسلات وتقارير تبادلتها الإدارة الاستعمارية في موريتانيا مع مثيلاتها في مالي وفي السنغال. وتصف تلك التقارير وتلك المراسلات -وقد اطلعت على بعضها في أرشيف مدينة المذرذرة وغيره- الشيخ حماه الله بالمحرّض (agitateur) تارة، وبالخطير (dangereux) تارة أخرى.
كما يقترح أحدها ضرورة نفيه إلى المذرذرة بشكل خاص، حيث سيلاقيه هنالك في ذلك المَربَع الإيگيدي مجتمع يغلب عليه الطابع الفقهي والإعتناء بظاهر الشريعة، ويكثر فيه -في غالب الأحيان- الإنكار على التصوف والمتصوفين، لا نفيا لمكانتهم، بل تغليبا لظاهر الشرع وصيانة له.
وتتوقع تلك التقارير أن الشيخ سيجد في تلك المنطقة -البعيدة عن موطنه بإنيورو، وموطن أجداده بتيشيت- دعاية مضادة لنهجه، وستنعقد بينه وبين تلك الساكنة نقاشات ومناظرات وتنافس، إن لم تضعف موقف الشيخ أو تحيّده، فإنها على الأقل ستحرجه وتضعه في خلاف ديني مستمر مع السكان المحليين .. وهذا الصراع لن يكلّف الإدارة الفرنسية شيئا، بل على العكس سيكون صراعا بين الآخرين .. ستظل الإدارة تراقبه عن كثب، وتتفرّج عليه بمنتهى السعادة، وتشعله كلما خبت ناره، وستصبّ نتائجه في جميع الأحوال في صالحها.
هكذا كان تقدير الإدارة الفرنسية، وربما كان هذا التقدير مبنيا على معطيات واقعية، فكم من شيخ صوفي جليل واجه إعراضا مستحكما في هذه المنطقة وجوبه بمناظرات وحجاج. فالشيخ سعد بوه، على سبيل المثال لا الحصر، تحدّث في رسالته "الأسهم النافثة في رد البيعة الحادثة" -وعندي منها نسخة مخطوطة- عما لاقاه من عنت وإنكار ورفض من طرف بعض الناس، عندما حلّ بهذه المنطقة، في عهد إمارة سيدي بن محمد الحبيب، في ثمانينات القرن التاسع عشر، فناظرهم وحاجّهم حتى ظهر ظهورا لا مردّ له، وأذعن له البعيد قبل القريب.
فمن غير المستبعد، والحال هذه، أن يحصل للشيخ حماه الله ما حصل للشيخ سعد بوه، وإن اختلف السياقان، حيث كان الأمير سيدي بن محمد الحبيب حريصا على أن تتم مناظرة بين الشيخ سعد بوه وبين غيره، لإظهار الحق وإنصاف أبناء الشيخ محمد فاضل، في حين كانت الإدارة الفرنسية تريد إيقاع الفتنة بين الشيخ حماه الله وبين علماء المنطقة، لا لإظهار حق أو إنصاف مهضوم، بل للتمويه والتشويش والوقوف في وجه الشيخ حماه الله.
وكان من أهداف هذا النفي، التخلّص من تأثير الشيخ حماه الله بالحوض وبمالي وغير ذلك من المناطق، وفصله عن أسرته وذويه وأتباعه .. ولو سألنا التاريخ والمؤرخين لقالوا لنا بالإجماع، إن أكبر وأهم ظاهرة عرفتها منطقة الساحل في العشرية الثانية من القرن العشرين، هي ظاهرة الشيخ حماه الله .. فقد تكاثر أتباع هذا الشيخ منذ وفاة شيخه الجزائري الشريف محمد الأخضر سنة 1909 بشكل لا يتصور، حتى إن بعض معاصريه من شيوخ التربية كان يرى تلامذته تتركه منجرفة في سيل لا يتوقف جريانه إلا عند باب الشيخ حماه الله في انيورو. وكم من شيخ ذهب إليه وأصبح تلميذه إلى جانب تلامذته السابقين .. بايعته القبائل وأفخاذها، والعشائر وبطونها، والقرى والمدن والأعراق من عرب وزنوج وغيرهم.
كان الشيخ حماه الله كريما لا يرد سائلا، تهدى له الهدايا الكثيرة، فيوزّعها في نفس اللحظة التي أعطيت له، وكان مضيافا بسيطا محببا إلى من يجالسه، يعرف كيف يأخذ قلوب الناس بأدبه الجم وكلامه القليل العذب .. وكان مع هذا شجاعا مرهوب الجانب، لا يخاف إلا ربه.
وعلى المستوى السياسي، كان الشيخ رافضا لكل شكل من أشكال التعامل مع المستعمر، لا يزور مكاتب الإدارة إلا إذا دعته وأصرّت على حضوره .. لم يفهم الفرنسيون عزوفه عنهم، في الوقت الذي كانت الشيوخ ورجال الدين تقف عند أبوابهم وتدافع عنهم.
عاتبه مرة الوالي الفرنسي في باماكو قائلا .. لماذا يحضر جميع الشيوخ عندي يوم بدء السنة الميلادية، مسلّمين ومباركين سواك ؟!
فرد عليه الشيخ .. إنه لا يفقه في أعياد فرنسا.
وكان مبدأ الإدارة الفرنسية في التعامل مع السكان المحلييّن يقوم على "من ليس معنا فهو ضدّنا"، لذلك صنّفوا الشيخ عدوا، وحاربوه سرا وعلنا، وكادوه وكادوا مريديه، ووضعوا له الدسائس، وكانت آخر تلك الدسائس، رسالة الوالي الفرنسي بباماكو تراصون دو فوجيرس (Terrasson de Fougères)، التي طلب فيها من الوالي العام لإفريقيا الغربية الفرنسية، جول كارد (Jules Gaston Henri Carde) نفي الشيخ حماه الله، عشر سنين بالمذرذرة.
تم تسفير الشيخ من بيته في انيورو إلى باماكو، ليتم اختطافه منها والتوجه به إلى دكار، وقبل قدومه إلى وجهته النهائية المذرذره، مرّ بكيص (Thiès)، ثم اندر (Saint-Louis)، ولم يكن معه في تلك الرحلة الطويلة سوى تلميذيه الوفيين، أحمد بن سعدي، وموسى جلو. مع أن الكثير من تلامذته وأهل بيته سيلتحقون به فيما بعد .. فقد التحق به وهو في المذرذره، العالم الجليل والشريف الأصيل، سيداتي بن بابا (بتفخيم الباءين)، وعينينا النعماوي. وسنرى أن موسى جلو هو من حمل كتب الشيخ إلى انيورو بعد مغادرته المذرذرة، وقد توفي رحمه الله بداية ديسمبر 1984 عن 85 سنة في باماكو.
إكبار أهل المذرذرة للشيخ حماه الله
خاب ظن الإدارة الفرنسية، ولم يلاق الشيخ في المذرذرة حجاجا ولا خصاما، بل على العكس من ذلك لاقى من جميع سكان المدينة بلا استثناء ما يستحق من إكبار وإجلال.
تتالت وفود الزائرين من أعيان المنطقة على الشيخ، وكان على رأس هؤلاء القاضي محمذن بن محمد فال (امّيي)، وأبو مدين بن الشيخ أحمدو بن سليمان، وأخوه الشيخ سيدي محمد، ومحمد ولد ابنو عبدم، والبو ولد إفكو رحمهم الله .. كما زاره الشيخ سيداتي الكبير بن الشيخ سعد بوه، والشيخ محمد سعيد بن أحمد بن بدي العلوي، وأحمد ولد الطلبه بن بابه بن حمدي الحاجي .. وغيرهم.
وذكر لي المختار بن حامد بالمدنية المنورة في رمضان سنة 1411 (أبريل 1991) أنه زاره في گود المذرذره، ووصف لي حاله.
وقد أكبره أمير الترارزة أحمد سالم بن إبراهيم السالم إكبارا، وأجله إجلالا، وقبل أن يأتيه بنفسه، بعث إليه -يومه الثاني في المذرذره- ابنه اعلي بن أحمد سالم للتبرّك، وكان المحصر يومها على بعد 12 كلم من المدينة، كما في كتاب الباحث علي تراوري عن الشيخ حماه الله.
وفضلا عن هذه الزيارات التي تعبّر عن اعتناء أهل المذرذرة بالشيخ، يذكر أنه خلال سنوات مقامه الأربع بها لم يولد ولد لأحد إلا وسماه عليه احتفاء بالشيخ وتيمنا للولد.
وقد أهديت للشيخ وهو بالمذرذرة أنواع الهدايا، ومن بينها مصاحف وكتب مخطوطة كأجود ما يكون الخط .. وقد حمل تلميذه موسى جالو كتبه المهداة إليه إلى نيورو سنة 1930، يوم كان الشيخ بساحل العاج .. ونقلت على 34 جملا، وتقدّر التقارير الفرنسية تلك الحمولة بألفي كيلوغرام (2طن) .. ومن بينها تآليف ألّفها، وإملاءات أملاها الشيخ في منفاه في المذرذرة. وقد صادرتها القوات الفرنسية بعد ذلك وافسدتها خلال تخريبهم للمكتبة بانيور بعد منفاه الأخير.
عندما جاء الشيخ حماه الله للمذرذرة كان صربنييه (Charbonnier) صاحب الإحصاء الشهير عند سكان المقاطعة بـ" حسبة صربنيَه"، الإداري المتصرّف بالمنطقة، ويذكر في تقرير -رأيت نسخة منه- أنه كان أول مستقبلي الشيخ لما وصل إلى المدينة .. وقد كتب في ذلك التقرير، أن الشيخ لما نزل من السيارة التي أقلّته من روصو إلى المذرذره، قضى معه خمسا وأربعين دقيقة، كان حديثهما في جلّه عن توصيات الإدارة للشيخ .. ويذكر "صربنييه" أنه بعد مجيء الشيخ بيوم، جاء إلى مكتب الإدارة ليطلب إصلاحات في الدار التي أعدت له على عجل، وعند خروجه من المكتب توجّه إلى مسجد القرية.
ومع أن الإدارة الفرنسية سمحت للشيخ بحرية التنقل في المدينة، إلا أنه كان قليل الخروج .. ومن حصافة الشيخ حماه الله وذكائه ومعرفته بطبائع الناس، أنه أسّس محظرة كانت تدرّس القرآن والحديث والفقه، وكان من أبرز مدرّسيها، سيداتي بن بابا عينينا، وكانت جلساتها الصباحية وما يدور فيها من نقاش علمي محل اهتمام سكان القرية .. فوجد سكان المنطقة المولعون بالفقه وعلوم الظاهر في الشيخ ومن معه من علماء مبتغاهم .. فعامل الناس بما يحبون، وجعلهم يقبلون عليه راغبين مخبتين.
قضى الشيخ حماه الله بالمذرذره زهاء أربع سنوات، وقد تفطّن "صربنييه" إلى أن الفكرة التي على أساسها تم نفي الشيخ إلى المنطقة فشلت، فلا هو وأتباعه أثاروا جدالا أو نقاشا؛ بل إن محظرته كانت محطّ إعجاب العلماء، ومثابة طلاب العلم.
وقد وجه صربنييه العديد من التقارير إلى هنري كادن (Henri Gaden)، والي موريتانيا العام، المقيم بإندر، داعيا إلى رفع النفي عن الشيخ حماه الله، وإرجاعه إلى موطنه، مبينا أن الخطة التي تصوّرتها الإدارة الفرنسية لم تكن دقيقة، بل إنها فشلت فشلا ذريعا.
لكن هنري كادن، ظل مصرا على بقاء الشيخ في المذرذرة، إلى أن جاء يوم من أيام فبراير 1930، ووقعت اشتباكات في كيهيدي بين بعض اتباع الشيخ حماه الله وبعض منافسيهم؛ فاستغلها الفرنسيون لتحميل الشيخ ما جرى، رغم بعد المذرذره عن كيهيدي .. فتقرّر نقله إلى قرية آدزوبي بساحل العاج، حيث قضى بقية سنوات المنفى العشر، ليعود بعد ذلك إلى انيورو في 2 يناير 1936.
كان رحيله عن المذرذره ضحى يوم الأربعاء 9 ذي القعدة 1348 أي 9 أبريل 1930، كما في نظم تلميذه الشاعر الجليل محمد المختار بن معروف البركني المتوفى سنة 1988 والمدفون عند "ابريبيره"، على الطريق الرابط بين المذرذره وتگند .. وقد حضر الناس لتوديعه.
الشيخ حماه الله حاضر في تآليف ووثائق أهل المذرذره
وليس أدل على اهتمام علماء المذرذرة وتقديرهم له، من الحديث الذي جرى في مدينة "اندر" بينه وبين العالم الجليل والمؤلف والنظامة زين بن اجمد اليدالي المتوفى 1358/1939، وهو أحد أعيان علماء منطقة المذرذرة، وهو حديث ورد في نظم رحلة الشيخ حماه الله لإبن معروف
وقد ظل زين بن اجمد -رحمه الله- محتفظا للشيخ حماه الله ببالغ التقدير، إذ نجده يؤلف رسالته "المواهب الربانية في التماس أحسن المخارج للتيجانية"، ردا على كتاب "مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التجاني الجاني"، لمحمد الخضر بن مايابى الجكني المتوفي 1936.
وقد قال زين، الذي لم يكن من أتباع الطريقة التجانية، إن ما شاهده بمدينة "اندر" لدى الشيخ حماه الله، من دين وعلم وأخلاق وسلوك، لا يمكن أن ينطبق على ما في كتاب "مشتهى الخارف" لإبن مايابى، لذلك استحسن زين، أن يرد على محمد الخضر، بسبب معرفته بالشيخ حماه الله وبمكانته.
وقد سمعت من الوالد، المختار ولد التقي رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وهو من أعيان مقاطعة المذرذرة، ومن الجيل الأول الذي عاصر استقلال البلاد، أن إقبال الناس في المذرذرة على الشيخ حماه الله لم يكن مقصورا على الكبار، بل إن الأطفال كانوا يزدحمون أمام داره، وكان يواسيهم بقطع السكر والتحف، وأنه هو -أي المختار- كان من بين الصغار، وقد وصف لنا مشاهداته للشيخ وتلامذته وحياته في ذلك الزمن بالمذرذرة.
وقبل أن أختم هذا المقال، فإنني أرى ضرورة الإعتناء بهذا المكان الذي كان الشيخ حماه الله يقيم فيه في المذرذرة .. فلا بد من التفكير في جعله مزارا، يعكس مكانة الشيخ من جهة، وأهمية الحدث الذي جرى فيه من جهة أخرى، وما يقتضيه ذلك من تشييد مبان (مسجد، مدرسة، متحف...) تخلّد كلها جانبا من تاريخ مدينتنا، وتراعي مكانة هذا الشيخ المقاوم الجليل.
وقد قيلت آلاف القصائد العصماء في مدحه والتنويه بخصاله وشرفه ونبل مقصده، وفي مقدمتهم نونية ألفها صاحبها يبشر بقدومه سنوات طوال قبل موته، وهو الذي اخبر عنها الوفد الذي قدم عليه من تيشيت واظهر لهم اين خبأها صاحبها الذي توفي ب 28 سنة قبل إزدياد الشيخ حماه الله، فسبحان الله العظيم الكريم والتي مطلعها:
ألا أيها الناس اسمعوني أفيدكم النصيحة او دعوني
تعالو كي ترو شيخا يربي بلحظ العين أرباب المجون
....
إذا الخمسون من ذا القرن تمت تبدى لـلـبصـائــر والعيــون...
وهناك قصائد لآخرين ليسوا من تلامذة الشيخ حماه الله وقصائدهم روعة، يمكن الإطلاع عليها عبر كتاب الياقوت والمرجان السالف الذكر، وعلى رأسهم ابو التاريخ في ارض البيظان المختار بن حامدون الديماني، واحمد بن حم القلاوي الشنقيطي وسيدي بن الطالب القلاوي الشنقيطي، وعبد الرحمان بن خطري القلاوي الحوضي، اما ما قاله التلاميذ من قصائد فهي اكثر من ان تعد او تحصى، فالشريف حماه الله رضي الله عنه وارضاه ولي صالح قلما يجود الدهر به..
وسأورد هنا ابياتا قلائل من قصيدة المخطارولد حامدون.
حماه الله كل هوى وسوء وحلاه السكينة والوقارا
وطهر قلبه من كل رين فأصبح اطهر النفر الطهارا
فأولاه من التقوى كنوزا تلادا لن تباع ولن تعارا
وكان له من الأعداء حرزا وكان له من الشيطان جارا
بل الشيطان مليء منه رعبا وولى من مخافته الفرارا
وجارى في مدى التقوى ذويه فجلى والمجلى لا يجارا
فاما في تقاه فلا يباهى واما في نقاه فلا يبارى
يقصر عن مداه كل قطب على ان القصور هو القصارا.
وقال العالم الآخر واسمه أحمد باب ولد اليدالي: مني إلى طيب الأوصاف والذات سليل خير الورى أسنى التحيات حمى الإله حماه الله مــــــوجبــه أني أخو عثرات ظالم عات لا تهملونيَ من ميمون دعوتكم لا زلتم منبع الخيرات في النات* ثم الصلاة على المختار ما ذكرت مني إلى طيب الأوصاف والذات *** ويقول العالم الديماني الجليل التاه، والد العالم الجليل حمدا ولد التاه: إلى حمى الله والداعي إلى الله حتى ينيب إليه الغافل اللاهي تحية من صميم القلب منبعها لا يرتضى من تحايا العصر إلا هى
وقال عنه دسمرت حاكم المستعمرات الفرنسية في غرب إفريقيا (إذا ترك هذا الشيخ لخمس سنوات أخرى حيا فسيحول الأفارقة إلى محمديين)...
أبناؤه سيدنا عمر، والشيخ سيد احمد، تم إعدامهما من طرف القوات الفرنسية، واخرجت العائلة الزوجات والأبناء، وتم تدمير المنازل والمكتبة والزاوية، وكان الشيخ سيدي الطاهر وأخوه ابوبكر قد ذهبوا مع امانة وذهبت بهم إلى حي والدها قرب الطينطان. أما محمدو فقد أخذته أمه نحو اخواله، لادم. شمال انيور في الجنوب الموريتاني. اما الأخت فاطمة فقد سجنوها في انيور مدة سنة كاملة وإبنه البالغ الآخر اشريف احمد، نجى من الفرنسيين لآنه كان موجودا في ولاتة، ورغم ذلك فقد وضع تحت الإقامة الإجبارية هناك لمدة سبع سنوات بمخيمه نواحي ولاتة، وقد سمح له بعد ذلك بزيارة انيور، فسكن مع والدته واخته النوهة، مدة اربعة اشهر، والتحق به معظم إخوته للسلام عليهم، وسمحوا له السنة الموالية بزيارة أخرى لمدة 3 اشهر.
ابناؤه من بعده ساروا على طريقته ونهجه في نشر الطريقة التجانية الحموية، حيث عمت الكثير من البلدان الإفريقية، ومقرهم الرسمي في مدينة انيور المالية، والشيخ الحالي للطريقة هو آخر من بقي على قيد الحياة من ابناء الشريف الشيخ حماه الله، وهو الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله أطال الله في عمره وقد زرتهم نهاية غشت من سنة 2012 ، بانيور وتمبكتو حيث مقر الزاوية مليء بالأتباع والتلاميذ يهللون ويكبرون، والكل في حماية وضيافة الشرفاء، لا ينقصهم شيء، وبمناسبة يوم المولد النبوي الشريف، تتهاطل عليهم الأتباع والتلاميذ من مختلف بقاع الأرض وتتحول انيور إلى محج يضيق امام كثرة الوافدين، ورغم ذلك يتم تنظيم إقامة واكل وسكن الجميع، فسبحان الله العظيم الكريم... وللشرفاء من ابناء الشريف حماه الله سمعة كبيرة في المنطقة، حيث لا غنى لكل السلطات في مالي وموريتانيا وبوركينا فاسو وغيرها من كسب ودهم وإتباع نصائحهم والعمل بتوجيهاتهم إذا كانوا يريدون فعلا تقوية نفوذهم السياسي، وتلاميذه بالألاف المؤلفة من مختلف المناطق واللهجات والقبائل والقوميات .. بل يعدون بالملايين في مالي وحدها.. فالله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.... وخلال زيارتي لهم بباماكو وجدت في زيارتهم الرئيس المالي السابق موسى اتراوري...
الشيخ حماه الله رضي الله عنه وارضاه، رضي عنه لأنه فضل ما عند الله عن كل ما عرضه عليه النصارى من مال وحكم وجاه، وارضاه بما اعطاه من معجزات وكرامة واسرار ربانية، نفعنا الله ببركته آمين.
المحجوب السالك، كاتب وصحفي من الصحراء الغربية.
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة