الأخبار -
مشاركات
|
لقد طالت معاناة الصحراويين تحت الخيام، بصحراء لحمادة القاحلة، جنوب التندوف بالغرب الجزائري، 38 سنة: خفيفة القول في اللسان، ثقيلة الوقع على الأجساد في الميدان. 38 سنة بدقائقها وساعاتها وأيامها ولياليها وسنواتها، بصيفها وشتائها، حرارة الصيف تتجاوز 52 درجة مئوية تحت الظل، وقد تكون بعض ليال غشت ويوليوز أكثر حرارة من النهار، حيث يشعر الإنسان بالاختناق وكأن هناك انعدام تام للأكسيجين، وبرودة الشتاء تحت الصفر، ناهيك عن الزوابع الرملية التي لا ترحم، لا تستطيع معها الوقوف ولا الجلوس، الرمال تدخل في كل مكان وتسقط الخيام ولا وقت لا للأكل ولا للشرب، وقد تدوم الزوابع الرملية ليس فقط ساعات بل وأياما طويلة ومهينة، فماء مالح ويورث روماتيزم العظام، وخلل الغدد... اما يسميه الناس ساعات الترفيه وغيرها فتلك مصطلحات لا نعرفها هنا بهذه المخيمات... لا يعرف هذا الألم وهذه المعاناة إلا من عاشها. وقد عشناها، وكان لدينا الأمل والحلم يدفعنا لتحمل هذا الجحيم، الأمل في الحرية والاستقلال وبناء دولة صحراوية مستقلة وما يعنيه
ذلك من أحلام، ومناصب: وزراء سفراء ولاة مدراء...إلخ. كانت الحرب تخلق لدينا القوة والشجاعة للصبر والتحمل رغم مرارة وقساوة المعاناة في أرض الجزائر هذه القاحلة والرهيبة... أما الآن، وقد إنتهت الحرب، وعشنا 22 سنة من وضعية اللاحرب واللاسلم، وظهرت المعارضة داخل البوليساريو لأول مرة في تاريخها ومن قيادييها ومؤسسيها، وبدؤوا بفضح ممارسات رفاقهم في القيادة، وإنتهاكاتهم الصارخة لحقوق الانسان الصحراوي بالمخيمات والتي اكدتها آثار التعذيب على أجساد من خرج سالما من السجون السرية الرهيبة لهذه القيادة وجلاديها... وظهرت القيادة على حقيقتها كمجموعة من الإنتهازيين الذين لا يهمهم ماعدا مصالحهم الذاتية والمتاجرة بمعاناة هذا الشعب فوق ارض الحمادا القاحلة، فبدأت هذه القيادة تقتل فينا ذلك الحلم الجميل، وتلك الروح المعنوية التي كانت تدفعنا لتحمل قساوة اللجوء، وبدأت أرض اللجوء بالحمادة أكثر صعوبة من ذي قبل وبدأت طاقة تحملنا اقل من ذي قبل، فأصبحنا نبحث عن أي حل ننقذ به أنفسنا بعض 38 سنة، فتوجهنا نحو المغرب طلبا لدار وكرطية، وتوجهنا للجزائر طلبا لدار وجنسية وعمل، وتوجهنا لموريتانيا طلبا لوثائق واوراق هوية عبر الإحصاء الموريتاني في بئر ام اكرين وازويرات وانواذيبو، بإعتبارنا نشكل جزءا من مجتمع البيظان، والذي تعد موريتانيا هي دولتهم الوحيدة. والقيادة تسمع وترى وتضحك علينا لأنها هي قد ضمنت مصيرها قبلنا... لماذا كل هذا؟ لأننا مع ظهور هذه القيادة على حقيقتها أصبحنا أمام خيارات صعبة، هي محاولة الرجوع لأرضنا بكرامتنا بعد 38 سنة، لكي لا تضيع حياتنا وكأننا كنا نحرث في ارض مالحة طيلة أكثر من ربع قرن. او البقاء في الارض اللجوء الجزائرية إلى ما لا نهاية له لتواصل هذه القيادة وحاشيتها المتاجرة بمعاناتنا، او البحث لنا عن جنسيات وهوية جديدة في اسبانيا او الجزائر او موريتانيا وهي الأقرب إجتماعيا واخلاقيا بحكم الارتباطات العائلية الموجدة بين الصحراويين والشعب الموريتاني... أمام هذا الوضع المأسوي بدأت قناعة الجميع بأنه لا بد من إيجاد حل سريع لوقف معاناة هؤلاء اللاجئين لكي لا تواصل هذه القيادة متاجرتها بمعاناتهم، ومعها بعض المستفيدين في النظام المغربي من الوضع الحالي بالصحراء الغربية، او بعبارة أخرى الإنتهازيين الصحراويين شرق وغرب خط الدفاع الذي يقسم الصحراويين إلى جزئين... ولكن ما هو الحل امام هذا الأفق المسدود؟... الحل يمليه الوضع الداخلي، وتمليه الظروف الدولية، ولكنني كصحراوي عانيت خلال 38 سنة، وما زلت أعاني في هذه المخيمات، إذا وجدت نفسي أمام خيارين اثنين إما الاستقلال أو الحكم الذاتي، سأفضل الإستقلال، أما إذا كان الخيار هو بين أن أبقى في لحمادا إلى ما لا نهاية أو الحكم الذاتي فإنني ومن دون تردد سأفضل الحكم الذاتي، لأن ما تقوم به قيادة البوليساريو حاليا في المخيمات بارض الجزائر، ليس إلا حكما ذاتيا بئيسا، فقيرا وحقيرا وفوق ارض الجزائر، وبعيدا عن أرض وطني الحقيقية، التي هي الصحراء الغربية... هذه هي وجهة نظري ويشاركني فيها ألاف الصحراويين المتواجدين حاليا في مخيمات لحمادا، وليسوا مستفدين من القيادة ومكاسبها المادية.... احد سكان المخيمات الذي حلم يوما بدولة في الصحراء الغربية، أصبح الحلم يترآى اليوم له كالسراب، بسبب هذه القيادة العاجزة والفاشلة... محمود محمد امبارك.
|
التعليقات
لا تعليقات ... كن أول من يعلق
.... التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الصحيفة